كياسة الحوار
نشر بتاريخ: 2020-06-15 الساعة: 08:43بكر أبوبكر
يقول الله تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) (82 النساء).
ويقول الشيخ السعدي في تفسيره، أي: فلما كان من عند الله لم يكن فيه اختلاف أصلاً، ما نفهمه أن كل الكلام من عند غير الله فيه الاختلاف، وبمعنى آخر أن الاختلاف سمة من سِمات البشر، ويضيف السعدي معلقًا على الآية: أمر تعالى بتدبر كتابِه، وهو التأمل في معانيه، وتحديق الفكر فيه، وفي مبادئه وعواقبه، ولوازمه، ذلك فإن تدبر كتاب الله مفتاح للعلوم والمعارف، وبه يستنتج كل خير وتستخرج منه جميع العلوم، وبه يزداد الإيمان في القلب وترسخ شجرته.
ومن هنا فإننا نصل لمنطق الحوار الذي يراه العرب العودة والرجوع الى الشيء وعن الشيء، وهنا لا نريد الغوص في تعريفات الحوار، أو المشاورة، ولكننا سنتحدث عن التعريف الذي يعتمده الكاتب د.إسحق رحماني[1] للحوار كما يعتمده الكاتب وليام اسحق[2] في كتابه الهام فن الحوار، وهو:أن نفكر معًا.
والذي يعتمد فيه على مهارات أربع وعلى أدوار أربعة، حيث يذكر أن المهارات الأربع هي مهارة الاستماع بغرض الفهم، ومهارة تأجيل الحكم أو تعليقه ومهارة احترام الجميع، ثم مهارة الكلام بكياسة.[3]
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: نِعْمَ الْمُؤَازَرَةُ الْمُشَاوَرَةُ وَبِئْسَ الِاسْتِعْدَادُ الِاسْتِبْدَادُ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الرِّجَالُ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ تَرِدُ عَلَيْهِ الْأُمُورُ فَيُسَدِّدُهَا بِرَأْيِهِ، وَرَجُلٌ يُشَاوِرُ فِيمَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ وَيَنْزِلُ حَيْثُ يَأْمُرُهُ أَهْلُ الرَّأْيِ، وَرَجُلٌ حَائِرٌ بِأَمْرِهِ لَا يَأْتَمِرُ رُشْدًا وَلَا يُطِيعُ مُرْشِدًا. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إنَّ الْمَشُورَةَ وَالْمُنَاظَرَةَ بَابَا رَحْمَةٍ وَمِفْتَاحَا بَرَكَةٍ لَا يَضِلُّ مَعَهُمَا رَأْيٌ وَلَا يُفْقَدُ مَعَهُمَا حَزْمٌ.[4]
المهارات الأربع للحوار
حين تستمع وهذا أولًا، عليك الاستماع للكلمات والمعاني، أن تستمع لماذا يقول ما يقوله؟ وماذا يمكن أن أتعلم منه؟ وأدقّق فيما قد فاتني،وأنظر للمفارقات والتناقضات أو التقابلات أو الطرائف، لذا فأنا أبقى صامتا ولكن منفعل روحانيا مع ما يُقال، فأنا استمع لأفهم.
وفي مهارة الحوار الثانية تبرز مهارة تعليق الحكم، حيث يؤجل المرء يقينه وثقته بما لديه من معلومات، وعليه بالحوار فهو يعمل على كشف الشكوك والاحتمالات الجديدة في الحديث، ولك أن تستفهم ولا تقف عند حد رأيك، وكما يقول وليام إسحق "عانق جهلك" وأقر بما لم تفهم، انتبه لرد فعلك الداخلي ولا تظهره خارجيا، واحتفظ بتوترك لنفسك، ويمكنك اختبار فرضياتك وفرضيات المتحدث فليس المطلوب منك إظهار الموافقة من عدمها.
وفي المهارة الثالثة يأتي احترام الجميع بأن تنسب الدوافع الايجابية لكل مشارك بالحوار، وأن تقدر كل ما هو جيد ولا تهمله، وأن تحترم كرامة المتحدثين بالحوار، فلهم شرعية الحديث وأحقية التعبير كما لهم انسانيتهم التي لا يجب التعدي عليها، والى ذلك قاوم رغبتك باللوم أو الهجوم ولاتنكر على الآخرين حقهم بالرأي والمخالفة ولا تنبذهم ولا تنشيء خصومة بل ولا تهمل ملاحظاتهم، فاحترامك لنفسك والجميع يظهر هنا، مانبذت العنف اللفظي والنفسي.
أما المهارة الرابعة فهي كما يقول وليام إسحاق تحدث بصوتك أو ما نعربها نحن بالقول تحدث بكياسة، و"المؤمن كيّس فطِن" في المأثور العربي ما تعني به الكياسة التهذيب والهدوء وحسن الفهم والسلوك، ومن هنا كن صبورًا واجمع أفكارك وعندما تتكلم تكلم مباشرة وبصدق آخذا بالاعتبار التجهيز للكلام بأن تعرف ما المهم الذي يجب أن تقوله. فليس كل ما تفكر به يقال. وعليه اعرض رأيك وشارك مشاعرك واهتماماتك، بل وعبّر ما شئت عن حقيقة ما بداخلك بكياسة ولتربط بتجاربك، وحين تستفهم فأنت تستعلم حقا وليس بغرض المناكدة أو المناكفة أوالقتال. أنت هنا بالحقيقة تتكلم بشجاعة دون سخرية أو إهانة مبطنة أو شتائم أو تهجمات لذا عليك الظهور بكياسة كما بدأنا القول ليكون الحوار حقا يعني أن نفكر معا.