الرئيسة/  مقالات وتحليلات

اللغة العربية تتألق على لافتات المحلات

نشر بتاريخ: 2020-06-15 الساعة: 08:24

بكر أبوبكر

لطالما تحدثت عن ضرورة استخدام اللغة العربية سواء الفصحى أو المحكية العامية، أوالفصحى المبسّطة في أحاديثنا، ومنها في وسائل التواصل الاجتماعي فنقتنع أننا فخورون حقا بلغتنا وبكل لهجاتها، وبشكلها الفصيح أو المبسّط أيضا، فلا نقرن أنفسنا بمصطلحات وسائل التواصل الاجتماعي والتي لها بديل جميل في العربية مثل (لايك وكومنت وشير وغروب وداونلود ولايف...الخ من غرائب) هي ببساطة: إعجاب وتعليق ومشاركة ومجموعة وتنزيل ومباشر ...الخ.

ولطالما أثرت وأثار غيري من الحريصين على لغتهم-هويتهم، لغتنا -الجميلة بلا جدل عندي- التي يترابط فيها الثقافة والتاريخ والعلم والمستقبل والوعي والبناء للشخصية، فاللسان مضمون ثقافي والفخر بالتاريخ المليْ بالأدبيات الجميلة بلغتنا التي ان اغتربنا عنها اغتربنا عن الدُرر الكثيرة التي تجدها بين ثنايا الآلاف من الكتب الجميلة، والتي تعرض لمفاهيم وأفكار حالية كان الأجداد قد طرقوها بالشعر والنثر والأدب وبأشكال متنوعة أخرى ستجدونها لو كلّفتم أنفسكم قليلا من البحث في بطون الكتب أو في المكتبات، أو وأنتم جالسين تحتسون القهوة وتبحثون ضمن محرك البحث الشهير على الشابكة (انترنت) المسمى الطبيب غو (د.غوغل).

اللغة حياة واللغة ثقافة واللغة شخصية واللغة تميّز محمود، واللغة حضارة واللغة تواصل راقي، وهي لسان جامع للقوميات والأديان داخل حضارة أي أمة .

 القرآن الكريم في هذا اللسان واسطة العقد، والحضارة المشتركة باللسان هي التي جمعت أطراف الأمة شرقا وغربا بالأدب والعلم والتاريخ والقيم والمحبة ...الخ، من عرب القومية وأمازيغ وكرد القومية وغيرهم ممن يشكلون النسيج المتكامل لهذه الديار.

إن استخدام اللغة العربية في الحضانة ذو أهمية قصوى فبدلا من أن يرى الطفل (سمارت كيدز)! هكذا وتكتب بالحروف الانجليزية أيضا! يمكنه لتثبيت الانتماء والمحبة والتواصل أن يرى حضانة أو روضة الطفل الذكي بالعربية وبالأحرف العربية، ولا مانع أن يكون تحتها ذات الاسم العربي بالحرف الانجليزي وبحجم أصغر مثلا، فيفهم أين الأولوية والدلالة القيمية.

الطامة الكبرى اليوم نراها في مجال وسائل الإعلام ، ففي الوسائل التقليدية عبر الشاشات تصادفك مذيعة أو مذيع تتقعر بالكلام وتحشوه حشوا بالالفاظ الانجليزية التي تلفظها أصلا بشكل خاطيء! وهي الى ذلك ليست علمية يجدر ذكرها مع الترجمة؟

ولكنك ترى التشدق والتقعر والفشخرة بإيراد ألفاظ أجنبية بلا أي معني في مُجمل الحديث مع كل كلمتين كلمة انجليزية أو فرنسية لإظهار الرِفعة الكذابة، أو الأناقة أو أن المتحدث بمستوى فوق الناس البسطاء الذين لا يعرفون الا لسانهم الفصيح أو العامي! وهي بالحقيقة أو هو أي المذيع يفضح نفسه بالنطق الخاطيء للكلمة الانجليزية التي لا لزوم لها أصلا! وبالمقابل تجد الأطباء والعلماء في مثل هذه البرامج عندما يتلفظ بالاسم الاجنبي مضطرا يقوم بتوضيحه بالعربية حالًا ما يدلل على الفصاحة والوعي والفهم بضرورة الإيراد العلمي حيث وجب.

يجب أن يفهم هنا أن تعلّم اللغات الأخرى والحديث بلغاتها في إطارها هام وضروري للعلم والثقافة وتمازج الحضارات، ولكن مع حسّ الحفاظ على لغتنا والانتماء الواعي لثقافتنا منذ الصغر، وفي بلادنا خاصة ومن بعدها في كل مكان.

 الطامة الأخرى تراها في لافتات المحلات والتي سنوضحها بنقاط أربعة أولا المصطلح وثانيا الرسم أو الحرف وثالثا الكلمة والمعنى والرابعة سلامة الحرف.

1-ففي المصطلح تعجّ واجهات المحلات في دولنا العربية وفي فلسطين بمصطلحات أجنبية-لها الأصل العربي الجميل- مثل (سوبر ماركت وميني ماركت ومول وبوتيك ودراي كلين ....الخ من غرائب!) وهي بالحقيقة دكان أو بقالة أو سوق أو متجر أو محل أو حانوت أو غسيل وكوي أو تنظيف جاف، عدا عن الغرائب أصلا باستخدام اللفظة/المصطلح في غير موضعها بمعنى استخدام كلمة "مول mall وهو المجمع التجاري على بقالة أو محل تسوق كبير! أوإطلاق مصطلح سوق تجاري أو محل التسوق supermarket  على دكان صغير لا يتسع لاكثر من شخصين!

2-وفي الكلمة والمعنى والرمزية والانتماء فكيف نسمي "روزفلت أو فرانكفورت أو يانكي أوفاين أو هولا أوتوميتو أو رد فلفت....الخ" من الكلمات ذات المعاني أو الدلالة الأجنبية ولدينا من الكلمات العربية ما لايحصى جمالا ومعنى ذو صلة وحلاوة!

3-في الرسم للكلمة، بمعنى كتابتها بالرسم/الحرف العربي تتبارى المحلات المتفرنجة للأسف باستخدام الحرف الأجنبي مهملة الحرف العربي سواء للاسم العربي أو للعلامة التجارية الأجنبية، فتجد كل الأشياء شوهاء عوراء كتعاء بلا روح إلا ما تبثه فيهم روح الاستهلاكية التسلطية الاستتباعية الغربية ليؤسر الجميع تحت سوط أوامر السيد الغربي في المأكل والملبس والثقافة والعلم وبالطبع التفكير وطريقة النظر، وفي تحقير اللغة الأخرى ومنها لغتنا العربية الجميلة، إنه استتباع استهلاكي من القدم حتى قمة الرأس، ونحن بالمقابل لا فِهم ولا يحزنون.

4-في رسم الحرف بمعنى أنه عندما يكتب محل ما الاسم بالعربية -بارك الله- به فإنه ينسى نقطة أو يزيد حرفا أو يهمل حرفين مثل الكتابات البلهاء (إليكي أمي! وهي إليكِ امي، ومثل أحبكي وهي أحبكِ يا ست الحبايب.......الخ).

في الختام أقول: لا بد من تضافر الجهود الشعبية والمؤسسية مع الرسمية في جعل اللغة العربية وبالرسم العربي للحرف هو الأولوية في لافتات المحلات التجارية عامة، وهو ما تكتب به كل الكلمات، ويتلوها الاسم باللغة الانجليزية أو الفرنسية لمن يشاء وبأحرف أصغر.

 يجب دعم من يكتب المصطلح والعنوان بالعربية معنىً ومضمونا وشكلا بتخفيض الضرائب (مركز تسوق حيفا أو إربد أو خلة العدس أو وادي التفاح بدلا من سوبرماركت ماونتينز مثلا، أو مصبغة أومحل تنظيف وكوي العاصفة بدلا من دراي كلين ستورم!....). ولذلك يجب أن تتألق لغتنا العربية على لافتات كل المحلات بلا جدل، وبجدارة الاعتزاز بالذات والاحترام للنفس والجماعة، والانتماء الواعي.

إن الحفاظ على لغتنا العربية الجميلة حفاظٌ على إطار جامع للحضارة الغنية، وحفاظ على مضمون الانتماء وعلى الهوية الأصيلة الجامعة، وعلى الثقافة التي يجهد المستعمر أن ينتقصها فيصبح التبروء منها وبالتالي من الأمة ودينها وثقافتها وقيمها ثقافة جديدة تجعل من هذه الفئة مشوّهة، أي كالغراب -كما يذكر الجاحظ- الذي تتبّع مشية الحمامة أو العصفور فلم يتقنها ونسي مشيته! 

m.a
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024