في ذكرى النكبة الفلسطينية الثانية
نشر بتاريخ: 2020-06-15 الساعة: 08:19
إبراهيم ابراش
العمل العسكري الذي أقدمت عليه حركة حماس منتصف يونيو 2007 وأدى لسيطرتها على قطاع غزة وما ترتب عليه من قطع التواصل بين الضفة وغزة وتشكيل حكومتين وسلطتين متعاديتين ثم تعميم الانقسام إلى كل مناحي الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية، وإن كان يبدو تتويجاً لسيرورة من الخلافات العميقة وتراكماً لأزمات استراتيجية واجهت النظام السياسي الفلسطيني (المشروع الوطني) منذ تأسيسه كمشروع حركة تحرر وطني وتفاقمت أزمته مع ظهور حركة حماس والجهاد الإسلامي من خارج منظمة التحرير الفلسطينية ومع قيام السلطة الفلسطينية باشتراطات خارجية، إلا أن إسرائيل وظفت كل ذلك لاستكمال مخطط استراتيجي استغلت لتنفيذه الخلافات الفلسطينية الداخلية من جانب وظهور المشروع الأمريكي للشرق الأوسط الكبير 2004 من جانب آخر.
المخطط هو فصل غزة عن الضفة من خلال خروج الجيش من داخل قطاع غزة دون إنهاء الاحتلال وذلك بهدف التخلص من الكتلة البشرية الهائلة في قطاع غزة المحدود جغرافياً، والتخلص من الحالة الثورية في القطاع، وتدمير مشروع الدولة الفلسطينية القائم على وحدة الضفة وغزة، تمهيداً لقيام دولة غزة على حساب الضفة الفلسطينية والقدس.
لذا من السذاجة تفسير وتبرير ما أقدمت عليه حركة حماس يوم 14 يونيو2007 بأنه مجرد إجراء أمني أو حسم عسكري أقدمت عليه حكومة شرعية في مواجهة متمردين عليها، ولو كان الأمر كذلك لكان جرى الحسم في غزة والضفة معاً وليس في غزة فقط، ولو كان الأمر كذلك فكيف تعود حركة حماس وتتحالف مع الجماعة-جماعة محمد دحلان والأمن الوقائي-التي كانت السبب في انقلابها على الشرعية، وكان لدحلان وجماعته دور في إخراج حركة حماس من المأزق وتعزيز سلطتها في غزة بعد إسقاط حكم الإخوان في مصر عام 2013 ؟!. ولو كان ما جرى مجرد حسم مع منفلتين أو متمردين لكان من المفترض أن تعود الأمور ما بعد الحسم إلى ما كانت عليه قبله، وهو ما لم يحدث.
لذا فإن ما جرى كان حسماً ولكن مع المشروع الوطني ومنظمة التحرير الفلسطينية وليس مع خارجين على القانون أو متمردين على الحكومة، لصالح مشروع مغاير وهو مشروع الإسلام السياسي الصاعد آنذاك والمتقاطع مع مشروع الشرق الأوسط الأمريكي والمشروع الصهيوني.
إن رؤية شمولية لمجريات الأحداث منذ الانقلاب الدموي إلى اليوم تؤكد بأن ما جرى كان جزءاً من مخطط استراتيجي شاركت فيه عدة أطراف، مخطط تقاطعت وأحياناً تلاقت فيه مصالح عدة أطراف:
1- إسرائيل الراغبة بالتخلص من قطاع غزة لكثافته السكانية وكونه شَكل عبر التاريخ حالة وطنية مقاوِمة تستنهض معها الحس الوطني عند كل الفلسطينيين.
2- واشنطن المتوجهة نحو بناء شرق أوسط جديد يغرق في (الفوضى الخلاقة) وأداتها في ذلك الجماعات الإسلامية وخصوصاً جماعة الإخوان المسلمين المتوافقين مع واشنطن في أن يشاركوا في الحياة السياسية رسمياً والتمكين من السلطة.
3- حركة حماس باعتبارها أداة جماعة الإخوان المسلمين.في فلسطين والمالكة للقوة العسكرية وحضور شعبي كبير.
4- السلطة الفلسطينية وحركة فتح بعجزهما عن مقاومة هذا المخطط بل ومشاركة بعض القيادات في المخطط قبل أن يتم إسناد الأمر لحركة حماس، وعجزهما أيضاً في استقطاب الجماهير من حولهما حيث فازت حركة حماس بالانتخابات التشريعية قبل الانقلاب بستة أشهر في ظل حالة فوضى وضعف لدى السلطة وحركة فتح.
5- دولة قطر التي لعبت دور العراب لهذا المخطط وما زالت تواصل دورها.
ما جرى كان بمثابة نكبة ثانية للشعب الفلسطيني، وإن لم تكن نكبة فقدان الأرض فإنها نكبة انقسام سياسي واجتماعي وثقافي دمر الحلم والأمل وأجهض ممكنات توحيد الجغرافيا والشعب ليواجه الاحتلال موحداً.
ها قد مرت ثلاث عشرة سنة عجاف من الانقسام الذي شل ودمر المشروع الوطني، وأرجع الوضع الفلسطيني سياسياً واجتماعياً واقتصادياً عقوداً للوراء. انقسام كان سبباً في الحصار على قطاع غزة وتجويع وإذلال أهلها الأشاوس وفي إضعاف السلطة الوطنية وتغول الاستيطان، وكان سبباً في وصول المقاومة لطريق مسدود حيث يؤول الأمر بعد كل جولة عدوان على القطاع إلى اتفاقات وقف إطلاق نار مذلة بين إسرائيل وفصائل المقاومة في قطاع غزة، وخلال هذه السنوات فشلت كل الوساطات العربية والإسلامية كما فشلت مئات جلسات حوارات المصالحة الوطنية في إنهاء الانقسام.
بالعقل والمنطق لا يمكن تفسير فشل كل محاولات المصالحة الفلسطينية إلى تشبث كل من فتح وحماس بمواقفهما، صحيح أن نخباً في الجانبين مستفيدة من الانقسام ومعنية باستمراره، ولكنها ليست وحدها السبب في استمرار الانقسام بما يُعيق توحيد غزة والضفة في سلطة وحكومة واحدة، لذا فإن فشل المصالحة يعود لوجود قرار إسرائيلي أمريكي بإفشالها حتى يستمر الانقسام.
إسرائيل ستحافظ على الانقسام وستستدرج حركة حماس لمفاوضات قد تستمر لسنوات حول الهدنة والميناء ورفع الحصار دون تمكين حركة حماس من دولة كاملة السيادة على قطاع غزة، كما جرى مع منظمة التحرير حيث استمرت المفاوضات بين الطرفين لسنوات دون الوصول للدولة المنشودة.
إن توحيد قطاع غزة والضفة الفلسطينية في إطار حكومة وسلطة واحدة وعودة التواصل بينهما يحتاج لمزيد من الجهود وتخطي عديد العقبات والشروط وخصوصاً الشرط الإسرائيلي. إن إنهاء الانقسام وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 14 يونيو 2007 على أقل تقدير سيكون إما في إطار تسوية سياسية شاملة أو مواجهة شاملة مع الاحتلال، وما عدا ذلك سيستمر واقع الفصل بين غزة والضفة أو إدارة للانقسام.
ولكن هذا لا يعني نهاية القضية الوطنية أو المشروع الوطني حيث يمكن إعادة بناء هذا المشروع حتى في ظل الفصل الجغرافي وذلك من خلال وحدة وطنية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية الجديدة التي ينضوي فيها الكل الفلسطيني والمتحررة من اتفاق أوسلو ولواحقه ومن أجندة الإسلام السياسي، وعلينا التذكير بأن منظمة التحرير الفلسطينية والثورة الفلسطينية المعاصرة منتصف الستينيات تأسستا في ظل الفصل بين غزة والضفة حيث قطاع غزة تحت حكم الإدارة المصرية وكانت الضفة الغربية جزءاً من المملكة الأردنية.
m.a