الرئيسة/  مقالات وتحليلات

الكاميرا ترمش .. لكنها لا تكذب

نشر بتاريخ: 2020-06-11 الساعة: 08:35

عمر حلمي الغول

إستعرت العنوان من عنوان فرعي في كتابي " الإنتفاضة / ثورة كانون: إنجازات وآفاق" الصادر عن مؤسسة عيبال للدراسات والنشر، مقرها نيقوسيا / قبرص ودمش / سوريا الطبعة الأولى آذار/ مارس 1990، ص 362، والذي إستوحيته من الإعلامي الأميركي اليهودي "لوسيمون" مراسل (سي بي إس) في وصفه الكفاح الشعبي البطولي الفلسطيني في الإنتفاضة الكبرى 1987/1993، حينما قال، إنه "لا يوجد تباين بين ما يحدث، وبين ما تقدمه شبكات التلفزيون، لإن عدسات الكاميرا قد ترمش، ولكنها لا تكذب." وجاء رده على الحملة المغرضة، التي شنتها حكومة الإستعمار الإسرائيلية آنذاك على وسائل الإعلام في نقلها الحقيقة للعالم عن وحشية جيش الموت الإسرائيلي وسياسة تكسير العظام، التي قادها إسحق رابين ضد الجماهير الفلسطينية المنتفضة.

وإستوقفني على هذا الصعيد ما يجري في الولايات المتحدة بعد قتل الضحية جورج فلويد الشهر الماضي، وأثر تصوير عملية القتل الجبانة له، وبثها للعالم على الرأي العام الأميركي والعالمي. وللمقاربة ايضا مع عملية القتل الجبانة والعنصرية من قبل جنود وضباط حرس الحدود الإسرائيليين الجبناء للشهيد الشاب إياد الحلاق من ذوي الحاجات الخاصة في العاصمة الأبدية، القدس، التي حدثت تقريبا في نفس الفترة، ولم يسمح قادة الشرطة الإسرائيلية نشر ما صورته الكاميرات، التي وثقت عملية القتل بدم بارد، ومازالت تحول دون تسليمها الوثيقة لإي جهة إسرائيلية أو فلسطينية أو اممية للوقوف على جريمة الحرب الوحشية الجديدة. لإدراكهم ابعاد الصورة. ومع ذلك ما زالت عملية إغتيال الشهيد إياد ماثلة في المشهدين الإسرائيلي والفلسطيني وحتى الأممي، ويتم الربط بينها وبين عملية قتل جورج فلويد بإعتبار الخلفية العنصرية واحدة، وحتى ذات الأساليب، لا سيما وان التقارير الأميركية تشير إلى أن الضابط القاتل للضحية فلويد، تدرب على يد القتلة الإسرائيليين، أي ان المدرسة العنصرية واحدة للقتلة.

أردت مما تقدم، الحديث عن ضرورة التنبيه والتركيز على إعطاء اولوية للصورة وشريط الفيديو، الذي يوثق الجرائم الإسرائيلية حيثما تحدث في الأرض الفلسطينية من رأس الناقورة حتى النقب ورفح جنوبا، لا سيما وأن كل إنسان فلسطيني إمرأة أم رجل، طفل ام عجوز بات يمثل "كاميرا مان"، لإنه من خلال جواله، واي كانت نوعية الكاميرا فيه يستطيع  إلتقاط الصور والمشاهد الحية لتوثيق جرائم وإنتهاكات جيش الموت الإسرائيلي وقطعان المستعمرين ووحدات الشرطة وحرس الحدود القتلة وبحضور وغياب وسائل الإعلام. لإن ما يقوم بتوثيقه يخدم تعرية وفضح الجرائم الإسرائيلية، التي لم تتوقف نهائيا ضد ابناء الشعب الفلسطيني ودون تمييز.

ولم اتوقف امام الجانب النظري حول اهمية وسائل الإعلام، لإني تحدثت عنها غير مرة، ولإن المطلوب الآن ولاحقا من كل فلسطيني القيام بمهامه الوطنية في ظل إحتدام المواجهة مع دولة الإستعمار الإسرائيلية، وكوننا مقدمين على تحديات غير مسبوقة معها، بإعتبار نفسه "كاميرا مان"، وجندي في معركة كشف الحقيقة، وتوثيقها، وبثها بشكل مباشر على مواقع اليوتيوب، أو إعطائها لإي وسيلة إعلام وطنية أو أممية لبث الحقيقة امام العالم. لإننا بامس الحاجة لكل صوت وموقف قومي أو أممي يقف خلف الكفاح الوطني التحرري

وكما يعلم الجميع، لو تمكن أي إنسان من توثيق جريمة إغتيال الشهيد إياد، وبثها، لكانت ردود الفعل الوطنية وبين انصار السلام الإسرائيليين وبين شعوب الأرض أعلى وأعمق. مع ذلك، جرائم إسرائيل الوحشية لم ولن تتوقف نهائيا، لإن الناظم الأساس للمنظومة الأمنية الإسرائيلية بنيت وقامت على قاعدة "الفلسطيني الجيد، هو الفلسطيني الميت." وسنت لمنتسبي المؤسسات الأمنية كل القوانين العنصرية الكفيلة بحمايته، وغرست في وعيه مقولة: أقتل ثم أقتل "الأغيار" الفلسطينيين العرب اينما كانوا، وبغض النظر عن العمر والجنس والدين واللون، ولا تأبه بهم، والدولة الإسرائيلية والقانون فيها يحميك، ولن تسمح ومن خلفنا أميركا بملاحقة اي قاتل أمام المحاكم الأممية.

مع ذلك، تملي الضرورة توثيق كل جريمة إسرائيلية إن كانت عملية قتل، أو إجتياح لإي مخيم أو قرية أو مدينة، أو هدم، او مصادرة أرض، أو إعتقال مواطن، أو تعذيب والإساءة لإي موقوف، أو ولادة أمرأة على الحواجز، أو إقتحام قطعان المستعمرين للقرى والمدن والأحياء وقطع أشجار الزيتون أو غيرها من المزروعات، او حرق البيوت والأحراش، وتخريب السيارات والكتابة العنصرية عليها، والعبث في المساجد والكنائس والأديرة ... إلخ لإن هذة الوثائق تخدم القيادة السياسية والديبلوماسية الفلسطينية وتؤكد خطابها امام العالم، ولإن العالم يتجه بخطى حثيثة نحو تغييرات دراماتيكية، فما هو جائز الآن، لن يكون ممكنا غدا. والرأي العام العالمي قادر على هدم جدران وقلاع العنصرية المتغطرسة في كل من إسرائيل وأميركا وحيثما وجدت.

أعلم ان بعض المؤسسات الحقوقية توثق الجرائم، ولكن الضرورة تحتم تكليف المؤسسات الإعلامية والحقوقية والإنسانية الرسمية وذات الصلة بتوثيق كل صغيرة وكبيرة من جرائم الموت الإسرائيلية، وبثها بشكل دوري ومستمر على الرأي العام العالمي وفي المنابر الإقليمية والأممية لكشف المستور الإسرائيلي، مع ان الحقيقة تقول لا يوجد مستور في الدولة الفاشية، فالعنصرية الوحشية الإسرائيلية تعمل في العلن، ولا تخشى القانون الدولي، لإنها تعتبر نفسها فوق القانون، وتمارس البلطجة والفجور بصور همجية، ودون اي معيار قيمي أو أخلاقي أو قانوني أو سياسي لإنها تستهدف بشكل مباشر تحقيق هدفين بحجر واحد، تصفية القضية الفلسطينية، وطرد الشعب الفلسطيني من دياره من خلال تصعيد عمليات القتل والخنق والجريمة الإرهابية المنظمة، وايضا تبديد عملية السلام ومرجعياتها الأممية. لذا لنكن جميعنا بمثابة "كاميرا مان"، والكاميرا التي ترمش، ولكنها لا تكذب في نقل الحقيقة للعالم.

m.a

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024