نكسات متناسلة
نشر بتاريخ: 2020-06-08 الساعة: 09:45عريب الرنتاوي
التحالف العربي الذي خسر الحرب في اليمن، أمام إيران وحلفائها، يتجه اليوم لخسارة الحرب في ليبيا أمام تركيا وحلفائها... نكسة حزيران أمام إسرائيل التي استرجعنا ذكراها الثالثة والخمسين قبل أيام، تتناسل اليوم، مزيداً من الهزائم والنكسات وليس بعيداً – على ما يبدو- ذاك اليوم، الذي سيُمنى فيه الأمن القومي العربي بنكسة إضافية، حين تحكم أثيوبيا سيطرتها على صنابير مياه النيل و"حنفياته".
إيران تفاخر بسيطرتها على أربع عواصم عربية: بغداد، دمشق، بيروت وصنعاء ... وأردوغان يتبجح بعظمة إنجازات جيشه في كل من العراق وسوريا وليبيا (نسي الإشارة لقواعده في الخليج والبحر الأحمر) ... أما نتنياهو، فيتباهى بعمق روابطه وصداقاته على امتداد الأرض والأجواء والمياه العربية، ومن المحيط إلى الخليج، ومن ورائها مساحات واسعة من العالم الإسلامي، أيُ خزي هذا؟
لم يكن الأمن القومي العربي مستباحاً كما هو عليه اليوم، مراكز القوة والقيادة فيه، قديمها وجديدها، تخرج من فشل إلى فشل، ومن نكسة إلى أخرى ... لا هي قادرة على كسب الحروب والمعارك، ولا هي قادرة على إبرام الصفقات وعقد التسويات، لا في نزاعاتها البينية، ولا في صراعاتها مع جوار الأمة الإقليمي ... جيوش تُسمّن، وتسخر لها اقتصادات البلاد والعباد، ومئات مليارات الدولارات تنفق سنوياً على شراء الأسلحة من مختلف مصادرها الكونية، جنرالات واستعراضات ونياشين وأوسمة، لكن حصيلة ذلك كله، لم تزد عن "صفر مكعب"، لكأننا نزرع الريح فلا نحصد سوى العواصف.
وحدة اليمن، باتت فصلاً من التاريخ، بعد سنوات خمس عجاف من الحرب المدمرة فيه وعليه، والسؤال الدائر اليوم هو: كم "يمن" سيجري "تفصيله" من الركام والخرائب ... ليبيا دخلت عصر "المكونات"، والمبادرات المطروحة بشأنها تستبطن الفيدراليات الثلاثة، توطئة للتقسيم والتقاسم ... و"اللبننة" التي كانت استثناء في سبعينات القرن الفائت، صارت "عرقنة" و"سورنة" و"يمننة" و"لبلبة" وإلى غير ما هنالك من اشتقاقات صعبة للفعل من الاسم، لكن "الحبل على الجرار".
لقد تداعوا لمواجهة خطر إيران في "هلالها الشيعي"، فإذا به يأتيهم من الجنوب، وإذا بالهلال يكتمل "بدراً" ... وتقاطروا لمواجهة "العثمنة" في الشمال السوري، فاذا بتركيا تأتيهم من الغرب الليبي ... ألا تذكرنا هذه المهزلة بمأساة 67 عندما وقف الراحل جمال عبد الناصر مبرراً الكارثة بقوله: انتظرناهم من الشرق فجاؤوا من الغرب؟
والمؤسف حقاً، أن ظلال الهزيمة الكئيبة لا تخيم على مؤسسات الحكم والسلطة في العالم العربي، بل وتظلل شعوبه وحركاتها السياسية كذلك، ففي الوقت الذي تنتفض فيه عواصم العالم تضامناً مع الشعب الأمريكي ضد "إدارة ترامب الطافحة بالعنصرية"، لا أحد يحرك ساكناً في مدننا وعواصمنا، مع أننا أكثر شعوب الأرض، تضرراً من هذه الإدارة وسياساتها في المنطقة ... وفي الوقت الذي يشهد فيه ميدان رابين في تل أبيب تظاهرة حاشدة ضد صفقة القرن ومشروع ضم غور الأردن لإسرائيل، لا نرى حراكاً شعبياً مماثلاً في المدن العربية، ولا حتى في رام الله وغزة وعمان، وكل ما نقرأه اليوم، ليس سوى تغريدات سمجة لمسؤولين عرب خرفين، يشغلون فراغ تقاعدهم بمديح إسرائيل والدعوة لصداقتها، والتنديد بخصومها.
المؤسف أكثر، أننا كلما ظننا أن وصلنا قعر الهاوية التي نسقط فيها منذ نكبة فلسطين، نجد أن للهاوية قعراً آخر، نحن لا نتوقف عن السقوط حتى نعاود رحلة الصعود، نحن لا نعرف متى سنصل إلى قعر الهاوية ولا كيف.
m.a