الرئيسة/  عربية ودولية

فانا: نضالات المرأة السودانية.. أثورة ديسمبر منتهاها؟

نشر بتاريخ: 2020-05-15 الساعة: 10:49

 

الخرطوم - اعلام فتح - تنشر وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية "وفا" تقريرا ضمن النشرة الإعلامية النسوية، لاتحاد وكالات الأنباء العربية "فانا" أعدته وكالة السودان للأنباء، بعنوان "نضالات المرأة السودانية... أثورة ديسمبر منتهاها"، هذا نصه:

كانت العلامة الفارقة في كل نجاحات التغيير والثورات على طول تاريخ السودان الحديث هو خروج المراة ومشاركتها في الفعل الثوري، حتى أن الانظمة القمعية كانت تترقب خروج النساء لتستيقن ان التغيير واقع لا محالة.

في الماضي كان خروج امرأة واحدة كفيل بقلب الموازين مثلما حدث في أكتوير (1964) ومايو (1969) وابريل (1986)، ومن ثم فلم يكن نجاح الثورة السودانية في أبريل –  يونيو 2019 إلا يقينا، وقد كان ثلاثة أخماس من يشعل فتيل الثورة ويزيد أوارها من النساء.

لذلك لم يكن مستغربا ان تخرج جحافل النساء في السودان إبان الثورة التي اقتلعت أحد أعتى الأنظمة العربية واشدها قهرا وبطشا وطول عمر ( 1989-2019)، وهي ثورة تؤسس لنظام يتحرى إثبات شعارات الثورة (حرية-سلام- وعدالة) واقعا يمشي بين الناس، بهدف أن لا تبتئس المراة ولا تضام وان تكون حادية الركب تصان حقوقها وتنمى وتزكى فوق مكاسبها التاريخية المقتلعة اقتلاعاً منذ فجر التاريخ السوداني الباذخ، و قد جلست الكنداكات على راس المملكة (الكنداكات- اي الملكات النوبيات الرافلات في ثياب  الجبروت والجمال) على (الككر-أي كرسي الحكم الذي لا ينازع) ذلك حبل التاريخ الذي لم ينفصم منذئذ.

جماع ذلك أنه لما أعطت الثورة للعالم أول رئيسة قضاء وأول وزيرة خارجية وأول امرأة مسيحية في قمة هرم الدولة السيادي، كانت خطوة تأكيدية لتطور تاريخي ماض في إزالة كافة أنواع القهر وتثبيتا لقمة من همالايا الحقوق انتزعتها المرأة السودانية قوة واقتدارا.

وتواتر خروج النساء إبان غليان براكين الثورة السودانية منذ ديسمبر (2018) وحتى انفجارها في أبريل (2019) ليشكل خيطا منظوما من لؤلؤ العطاء و ليزيد من حظوظ النساء لا مشاركة رمزية بل فعلا ثابتا أصبح بينه وبين الثورة الفرنسية الأشهر أواصر وشبه ورمزية.

لهذا فان تيرمومتر الفعل الصاعد لتثبيت حقوق النساء ما زال يعلو ونحن نرى مداميك الحقوق والمشاركة منفتحة، إذ ارتقت نسبة مشاركة النساء في العمل السياسي والبرلماني لتصل  25% وفق تثبيت اتفاقية السلام الشامل الموقعة في نيروبي عام 2005 بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، لترتقى صعودا إلى 40% في الوثيقة الدستورية الموقعة بعد ثورة ديسمبر بتاريخ 18 أغسطس (2019).

فما عادت مسالة المشاركة رمزاً أوسدا للذرائع ومنعا للانتقاد من منظمات المجتمع الدولي، والسودان فيها أصيل لا ضيف، بل اصبح الأمر مناصفة وتخليقا لسياسات جديدة وتمحيصا لمواقف ومبادي تمنع السودان ان ينزلق إلي عهود ظلم وانتهاك الحقوق وغياب لعدالة.

تلاقح النضال الفردي والجمعي قادته المرأة في الثورة فهل جاء بيان ذلك في الوثيقة الدستورية؟ منصب رئيس القضاء أيحسب تقدماً؟

دكتورة زحل محمد الأمين أستاذ القانون الدستوري و الدولي رئيس قسم القانون الدولي كلية القانون جامعة النيلين تقول: إن الوثيقة الدستورية "لم تظلم المرأة" بل على العكس في كثير من نصوصها كانت في جانب المرأة خاصة على مستوى المجلس التشريعي حيث منحت نسبة 40% من المقاعد التشريعية، وعلى مستوى الحقوق أيضا أقرت الوثيقة بحقها في المشاركة الفاعلة والمنصفة  في كل قطاعات الدولة وحقها كذلك في العمل وهناك تقدم حدث في القانون الجنائي فيما يتعلق بختان الإناث.

تضيف د. زحل إن وضع المرأة في السودان يشهد تطوراً ملحوظا لاسيما توليها لمنصب رئيس القضاء وهذا لحدوثه لأول مرة بالسودان كذلك منصب وزيرة الخارجية تولته أيضاً لأول مرة.

إذاً فقد تسلمت المراة بجدارتها ومساهمتها في الفعل الثوري في حكومة الثورة الانتقالية بقيادة د.عبد الله حمدوك ولأول  مرة في تاريخ السودان رئاسة القضاء وكان حاديها القاضية نعمات محمد عبد الله لتعطي العدالة مضاءً ورحمة وجلالا وجمالا، وقطعت الطريق أمام أي تلكؤ كان لا يطيق حتى مشاركة المراة في مجلس القضاء، فما بالك بتسنم ذروته؟ وقد مهد لها الطريق تولي إحسان محمد فخري، منصب قاض عام  كأول امرأة في أفريقيا تتولى القضاء (1961) وكانت كذلك أول امرأة تتولى منصب قاضي محكمة عليا، وقد وكرمتها الأمم المتحدة عام (1980) كونها أول قاضية سودانية.

ثم زادت الثورة من الشعر بيتين عندما  قلدت كل من عائشة موسى ورجاء نيكولا عبد المسيح، منصب عضوين في مجلس السيادة وهو قمة الهرم السيادي في البلاد.

ثم أتى الجهاز التنفيذي إثر السيادة والقضاء حين تولت أسماء محمد عبد الله وزارة الخارجية، وجلست الأستاذة ولاء عصام الدين البوشي على مقعد وزيرة الشباب والرياضة، ووقفت الاستاذة لينا الشيخ فارعة تسوس وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، كما تولت البروفيسور فدوى عبدالرحمن علي طه في سابقة أخرى  قياد  جامعة الخرطوم، الجامعة الأعرق في القطر السوداني (1902). 

وتقول الدكتورة سامية الهادي النقر، ناشطة حقوقية في المجتمع المدني، إن نضال المرأة من أجل حقوقها والتي قادته المجموعات النسوية بدأ منذ أمد بعيد يرجع إلى أربعينات القرن الماضي، وعلى الرغم من وجود فترات ديمقراطية إلا أن النساء ظللن مستمرات في النضال واستخدمن استراتيجيات مختلفة لتحقيق تلك الحقوق.

وهنالك حقوق تحصلت بالفعل مثل الحقوق السياسية، وأُخرى اقتصادية فيما يتعلق بالتساوي في الأجور منذ (1964) وكذلك إجازات الأمومة.

ولكن، وبمجيء النظم الدكتاتورية، فقد عملت على تعطيل عمل السيدات في المطالبة بحقوقهن، إلا أن النضال لم يتوقف، حتى فترة الديمقراطية (1985- 1989)، وما كادت هذه الكيانات تأخذ أنفاسها حتى جاء الحكم الإسلامي، حيث تم فتح التسجيل لمنظمات المجتمع المدني في (1991)، حينها كانت الأحزاب ممنوعة، فأنخرط عدد كبير من السيدات الحزبيات في عمل منظمات المجتمع المدني لأجل حقوق المرأة وكان "فعلا حراك كبير جدا" .

وإستمر العمل النضالي دون توقف لتحصل الكثير من الحقوق كان أهمها تجريم ختان الإناث الذي بدأت مناهضته منذ (1979)، إلى أن أُجيز الآن، وهنا لابد من توضيح علاقة الختان بحقوق المرأة، حيث إعتبرته الدكتورة أول ممارسة من الأسرة والمجتمع تعلم البنت الخضوع وتعطيها رسالة بأن جسدها ليس ملكا لها ولا تستطيع أن تتخذ فيه قرارا.

وكانت الثورة أيضا فرصة سياسية واجتماعية للنساء لأجل أهداف أهمها إزالة القوانين والسياسات والممارسات التي تمييز ضد المرأة وتقييد حريتها وتنتهك حقوقها الإنسانية، كذلك تأمين كل الحقوق المكفولة بواسطة المعاهدات الدولية للمرأة كإنسانة ومناهضة الفكر الذكوري وثقافة التمييز المتجذرة في المجتمع.

تقول الدكتورة النقر "إن هذا النضال ليس فقط من أجل إحقاق حقوق المرأة؛ ولكن أيضا لتحرير النخب السياسية في المجتمع المدني وفي الأحزاب السياسية خاصة المستنيرين منهم لكي تكون ممارساتهم من أجل بناء الوطن فيها العمق والفهم الصحيح لأهداف الثورة وشعاراتها في الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية والعدالة والسلام."

وهذا التطور الحادث الآن لم يأت خبط عشواء، إنما هو ثمرة لغرسةٍ بدات منذ عهد الرائد الشيخ بابكر بدري الذي أسس مدارس لتعليم البنات في كل من رفاعة - جنوبي الخرطوم - والعاصمة السودانية (1907) ليشاهد قطوف ما زرع عندما دخلت أول دفعة طالبات جامعة الخرطوم عام 1930، وتخرجت اول طبيبتين،هما زوري سركسيان وخالدة زاهر من كلية الطب  (1953).

ذلك في مجال التعليم، أما ريادة المجالات مما كان يعتبر حكرا على الرجل فقد شاهد أهل الخرطوم السيدة النقية فرح أبو زيد تقود أول سيارة سودانية (1924)، بينما قادت عائشة الفلاتية أول فرقة موسيقية لها، وسجلت أسطوانات غناء (1942)، تلك امثلة وشذرات لا استقصاء وشمول.

أما جرد السياسة فقد ثبت حق المراة السودانية فيه منذ قرون، وإن كان ما تحقق دون ما تصبو إليه. اذ نالت المراة السودانية حق التصويت (1953) وضمت أول لجنة لصياغة دستور سوداني عام 1953 امرأة هي ثريا الدرديري، ونالت حق الترشيح في الانتخابات في كل الأجهزة السياسية بعد ثورة اكتوبر (1964)، ودخلت أول امرأة للبرلمان، وهي فاطمة أحمد إبراهيم عام (1965)، كما نالت الأجر المتساوي مع الرجل عام (1969).

في عهد حكم الرئيس جعفر نميري (1969-1985) تقلدت أمرأتان مناصب وزارية لأول مرة في السودان، هما نفيسة أحمد الأمين، عام 1971، والدكتورة فاطمة عبد المحمود (1973)، في منصب وزيرة الشؤون الاجتماعية.

تلك شذرات في السياسة والتعليم مما بزت فيه المراة السودانية كثير من زميلاتها في الوطن العربي والمحيط الأفريقي، وهي حقوق أصبحت جزءا لا يتجزأ من دستور البلاد وقوانينها الراسخة، فقد أشارت اتفاقية نيفاشا عام 2005، في المادة (32) إلى  حق المرأة والطفل وفق دستور السودان الانتقالي للعام 2005، إلى أن "تكفل الدولة للرجال والنساء الحق المتساوي في التمتع  بالحقوق المدنية السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، بما فيها الحق في الأجر المتساوي  للعمل المتساوي وللمرأة الحق في تولي المناصب السياسية الرفيعة".

ولم تكن هذه الانجازات لتتحقق لولا تضحيات عظيمة وجسيمة من المرأة السودانية التي تعرضت لكافة أنواع القهر والبطش، وسلاح الاغتصاب والتحرش، الذي استخدم لترويض النساء، ولكن هيهات، خاصة في مناطق النزاعات، وداخل معتقلات جهاز أمن حكومة العهد البائد، لكنه لم يزد نضال المراة إلا اشتعالا، حيث ازدادت حركة المجموعات النسائية في مواقع التواصل الاجتماعي وظهرت مجموعة "منبرشات" هي مجموعة الكترونية فائقة النشاط فضحت عددا كبيرا من المخبرين السريين لجهاز أمن نظام البشير مما سرع بتهاويه وأفوله.

وفي أرض الاعتصام و الذي نفذ قرب مباني القيادة العامة للجيش بالخرطوم من السادس من أبريل (2018) وحتى الثالث من يونيو (2019)، برزت المرأة بشكل لافت وشاركت في كافة اللجان المنظمة للاعتصام، في إذاعة الاعتصام، والندوات والمسارح والفرق الموسيقية. وهنا برزت قيادات وشخصيات نسوية سلطت عليها الأضواء الإعلامية، كالناشطة "آلاء صلاح" التي تحولت لأيقونة للثورة، بعد أن انتشرت صورها عبر الانترنت، وهي تقود الهتافات في رداء سوداني أبيض اللون، وتقف فوق سطح سيارة خارج مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم غير عابئة بان ينتاشها صائد أو قناص من فوق إحدى البنايات المجاورة لباحة الاعتصام المدني.

وصرحت وقتها للإعلام عن نضال المرأة السودانية قائلة "هذا جزء من تاريخنا منذ مملكة مروي القديمة، حيث كانت السيدات ملكات ويطلق عليهن اسم "كنداكة" وهو ما استخدم في حراك ديسمبر".

وبرزت عدد من التنظيمات النسوية في اعتصام القيادة، تهتم بالتنمية والسلام  وبناء القدرات ورفع الوعي، كالاتحاد النسائي، ومجموعة "لا لقهر النساء"، ومجموعة "نساء يصنعن القرار"، والمجموعة النسوية المدنية "منسم"، وهذه المجموعات وقعت علي إعلان الحرية والتغيير الذي شكل الحكومة الانتقالية، وكان للمرأة حضور لافت في لجان النواة الأولي لتجمع المهنيين السودانيين الذي تولي قيادة الثورة السودانية، فتواجدت بفعالية في لجان الأطباء والمعلمين والمحامين والصحفيين والمهندسين وساهمت ربات البيوت في المواكب ودعم المتظاهرين بالأطعمة والمياه .

وحول (منسم) هذه كمثال لتحالف المراة تقول الدكتورة سامية الهادي النقر أنه ولأول مرة في تاريخ النساء في السودان يحدث تحالف بمستوى كبير بين المجموعات النسائية يضم 20 منظمة مجتمع مدني، و17 مجموعة مدنية، و16 مجموعة سياسية، ولديها 3 أفرع في الولايات، و3 أفرع خارج السودان، بالإضافة إلى أنه يضم كذلك مجموعة كبيرة من النساء المستقلات أكاديميات وخبيرات في مجالات مختلفة.

ولكن تظل أبرز التحديات التي تواجه المرأة السودانية في المرحلة الحالية هي تحديات تحقيق السلام في مناطق النزاعات في دارفور وجبال النوبة بغربي السودان، والنيل الأزرق بشرق السودان، إذ أن النساء يتحملن أغلب تبعات الحروب، وكذلك ضرورة عودة النساء من مناطق النزوح واللجوء إلى قراهن الأصلية، ولا يتأتى ذلك إلا بزيادة فرص التعليم والتدريب للنساء خصوصا في الأرياف ومناطق الحروب والنزاعات.

 وفي ذلك تشير الدكتورة سامية الهادي النقر قائلة: "وقد وجدنا في الثورة فرصة سياسية واجتماعية للنساء من أجل أهداف أهمها إزالة القوانين والسياسات والممارسات التي تميز ضدد المرأة وتقييد حريتها وتنتهك حقوقها الإنسانية، كذلك تأمين كل الحقوق المكفولة بواسطة المعاهدات الدولية للمرأة كإنسانة، ومناهضة الفكر الذكوري وثقافة التمييز المتجذرة في المجتمع."

(اعد المادة: نهلة خليفة - سعيدة همت - تقوى فتح الرحمن ـ فهمي السيد - جارة الخير بابكر - عبد الله بابكر - وحررها محمد عثمان آدم)

m.a
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024