"مقاتلات مجهولات" في مواجهة "كورونا"
نشر بتاريخ: 2020-05-01 الساعة: 14:46طولكرم - مراسل وفا- منذ اجتياح كورونا للعالم، لم يعرف "الجيش الأبيض" من أطباء وممرضين الراحة، فتصدروا خط الدفاع الأول في معركة المواجهة ضد الفيروس، وخاطروا بحياتهم وراحتهم في سبيل سلامة المرضى وتقديم كل المساعدة الطبية لهم.
يأتي الأول من أيار الذي يصادف عيد العمال العالمي، في ظروف استثنائية هذا العام، حيث جائحة كورونا التي ألقت بظلالها على كافة مناحي الحياة على الأرض، وأوقفت العاملين عن العمل، باستثناء أصحاب المعطف الأبيض الذين واصلوا الليل بالنهار في حربهم في مواجهة الفيروس.
وتشكل كوادر التمريض أكثر من نصف العاملين في مجال الصحة حول العالم، وهم يقدمون الرعاية في جميع مواقع الطوارئ، وما زال الممرضون والممرضات، على مر التاريخ وحتى اليوم، في الخطوط الأمامية لمكافحة الأوبئة والجائحات التي تهدد صحة الناس في أنحاء المعمورة.
وفي ظل هذه الأجواء المشحونة بالقلق والمحفوفة بالمخاطر والتحديات، أطلت الممرضات أو كما يطلق عليهن"ملائكة الرحمة"، بجاهزية لمواجهة الجائحة، فجسدن في كافة التجمعات الصحية في فلسطين كل معاني التضحية للعناية بالمرضى وإنقاذ حياتهم.
وبذلت الممرضات وما زلن جهودا مضاعفة في العمل في المستشفيات أو في مراكز الفرز والحجر الصحي في محافظات الوطن، وأخذت حياتهن مجرى آخر، فحرمن ممارسة حياتهن بشكل طبيعي، من نوم كافي أو تناول الطعام في أجواء العائلة، أو احتضان أولادهن وأمهاتهن وآبائهن، حيث العمل المتواصل ليل نهار، والاستعداد لأي طارئ قد يحدث في أي لحظة حتى في ساعات الليل.
"وفا" حاولت الوصول لعدد من الممرضات في مختلف المواقع الصحية، إلا أنه تعذر الحديث معهن لأسباب الانشغال المتواصل بسبب أزمة كورونا، لينتهي مطاف البحث بممرضة الطب الوقائي في مديرية صحة طولكرم همسة عواد التي شغلت عدة أقسام في المديرية في قسم التمريض طوال 20 عاما.
الحديث مع عواد لم يكن بشكل متواصل بسبب ضغط العمل، ما حدا بها إلى الاعتذار عدة مرات، إلى أن تمكنت من أخذ استراحة قصيرة على الساعة الرابعة والنصف مساء للعودة إلى منزلها وإعداد وجبة الإفطار لعائلتها لمعاودة الحديث الذي تخللته عدة انقطاعات لاضطرارها للرد على مكالمات أخرى كانت تردها من مكان عملها، وتقول: "غادرت عملي ولكن تركت زميلتي لتشغل مكاني، لا نستطيع ترك الموقع فارغا، هكذا نعمل منذ كورونا".
وتضيف: "حياتنا الآن هي أن نكون ضمن الجاهزية في كل وقت، منذ بداية أزمة كورونا ونحن نعمل كخلية نحل، تعاملنا معها بمنتهى الحذر والجدية، اشتغلنا على الموضوع، من خلال برنامج مكثف، بدأ بدورات ومحاضرات توعية وتثقيف وإرشاد لكافة فئات المجتمع المحلي من باب الوقاية، إلى أن جاء الموقف الصعب بإصابة مواطن من إحدى ضواحي المدينة بالفيروس، عندها تكاتفت جهود الطواقم الطبية من ممرضين وأطباء للتعامل مع الحدث بقوة وإرادة".
وأشارت عواد إلى أن ساعات عملها مكثفة تبدأ من الساعة 8 صباحا وتستمر حتى التاسعة ليلا أو أكثر، عدا عن أن هناك ممرضات بالمستشفى عملن لأيام متواصلة دون لقاء عائلاتهن، وهناك فريق من الممرضات يضم ممرضة وطبيبة وفنية مختبر يعمل في مركز الفرز والحجر في اكتابا بلباس واقي، كونه أكثر مكان يستلزم الحذر لأنه يتم سحب العينات فيه.
"لا يوجد إجازات أو عطل، وفي حال العودة للمنزل نكون مستعدين لأي طارئ إذا ما تم استدعاؤنا في أي لحظة" تقول عواد.
وأضافت، الخوف موجود لدى الجميع كونه وباء عالمي وفيروس مستجد وغير معروف مدى خطورته ومدى قوته، حيث طرق انتشاره السهلة يجعلنا دائما بموقع الأخذ بطرق الوقاية لمنع التقاط العدوى، إضافة إلى التعامل بحذر مع أي مريض أو مراجع لعيادات الصحة أو المستشفى من خلال التعقيم المستمر لكافة المرافق، وارتداء زي الوقاية والكمامات والحفاظ على المسافة بحدود مترين، مع إرشاد كل المريض بهذه التعليمات وتجنب الازدحام قدر الإمكان.
وقالت: "يساورني القلق إزاء المخاطر التي ينطوي عليها ذلك، مما يستوجب علينا كطاقم تمريض العمل بشكل متواصل، ضمن طواقم وفرق للتعامل مع أي حالة مشكوك بها".
وتابعت عواد: "كل يوم هناك تعب وضغط نفسي وجسدي يمر علينا كطاقم تمريض، ولكن ما يخفف من حدة هذا التوتر هو إيماننا بأننا يجب أن نحمي أنفسنا من أجل حماية بيوتنا وعائلاتنا، ومجتمعنا، صحيح كل ذلك على حساب راحتنا ولكن ما يخفف علينا أننا نقدم خدمة فعالة قوية لمنع وباء شرس يفتك بالبشرية".
وحفلت وسائل التواصل الاجتماعي بصور الممرضات وهن يرتدين اللباس الواقي وكمامة الوجه وكفوف اليدين ويقمن بواجبهن الإنساني تجاه المرضى في المستشفيات والمحاجر الصحية، وأشاد العديد من نشطاء "الفيس بوك" بالدور البطولي الذي يقمن به إلى جانب زملائهن الأطباء والممرضين، فكتب أحدهم "بارك الله في جهودكم ووفقكم جميعا وابعد عنكم الوباء والداء والبلاء" فيما علق آخر"كل الاحترام والتقدير انتم خط الدفاع الأول والأخير الله يحماكم ويبعد عنكم كل شر ومكروه".
وبلغ عدد حالات الإصابة بالفيروس في فلسطين حتى يوم الخميس 507 منها 9 حالات بين صفوف الكادر الطبي في الوطن من أطباء وممرضين كانوا على تماس مباشر مع مصابين.
وحسب إحصائيات وزارة الصحة هناك 12558 ممرضاً وممرضة وقابلة، يعملون في مختلف القطاعات الصحية حتى عام 2019، يشكلون 39.4% من القوى الصحية العاملة في فلسطين.
وبينت أن عدد العاملين حاليا في وزارة الصحة في المحافظات الشمالية والجنوبية 4262 ممرضة وممرضاً وقابلة، يشكلون 64.3% من الكوادر الصحية العاملة بوزارة الصحة، و31.3% من مجموع جميع العاملين في الوزارة.
وأشارت وزارة الصحة إلى أن مهنة التمريض خطَت في فلسطين خطوات كبيرة، وساهمت بشكل فعال جدا في تطور الطب والخدمات الصحية المقدمة للمواطن الفلسطيني، مشيرة إلى أن عدد التمريض العامل في وزارة الصحة زاد بنسبة 167% منذ تسلم الوزارة لمسؤولية الوضع الصحي في فلسطين في بداية العام 1995.
وذكر الجهاز المركزي للإحصاء أن 48.0 % من المسجلين في نقابة التمريض نساء مقابل 52.0% رجال، وتزيد نسبة الممرضات في الضفة عنها في قطاع غزة، 55.1% و47.8% على التوالي خلال عام 2017.
وبينت منظمة الصحة العالمية في إحصائيات حديثة، أن العاملين في التمريض والقبالة يشكلون نحو 50% من القوى العاملة الصحية عالميا، وتمثل النساء 70% من القوى العاملة الصحية، وتستأثر القبالة والتمريض بالحصة الأكبر من العمالة النسائية.
وشددت المنظمة في تقرير أصدرته في خضم أزمة فيروس كورونا المستجد الذي شاركت فيه الحملة الدولية "نورسينغ ناو" والمجلس الدولي للممرضات، على الدور الأساسي للممرضين والممرضات المحترفين الذين يمثلون أكثر من نصف العاملين في الطاقم الطبي.
وقال مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس في بيان "الممرضون والممرضات هم الركيزة الأساسية للأنظمة الصحية، واليوم، العديد منهم يجدون أنفسهم في طليعة التصدي لجائحة كوفيد-19".
ويشار إلى أنه في كانون ثاني عام 1974، تم اختيار يوم 12 أيار للاحتفال بيوم التمريض العالمي، والذي يوافق الذكرى السنوية لميلاد مؤسسة التمريض الحديث فلورنس نايتينجيل.
m.a