زوار سجين من بعيد
نشر بتاريخ: 2020-04-16 الساعة: 16:25طوباس - مراسل وفا- قبل 19 عاما، كانت ابتهال دراغمة وشقيقتها، ووالدتها خيرية عويضات، يسكنّ في الأردن، فيما كان شقيقها ناصر يقيم في مدينة طوباس بالضفة الغربية، بعد قدومه إليها بداية الألفية الحالية، لانتسابه في أحد الأجهزة الأمنية.
في تلك الفترة كانت انتفاضة الأقصى، في واحدة من أوج سنيها عنفا، وبعد أن استقر دراغمة في طوباس، بفترة وجيزة، اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي، شأنه شأن الآلاف من الفلسطينيين، وحكمت عليه المحكمة الإسرائيلية بالسجن الفعلي 36 عاما.
ودراغمة واحد من بين 22 أسيرا من أصحاب الأحكام العالية وهي التي تكون فوق العشرين سنة، والمؤبدات من طوباس، بعد انتهاء فترة التحقيق مع دراغمة، أمكن لعائلته أن تزوره للمرة الأولى في "المسكوبية"، لكنها لم تلتق به في هذه الزيارة.
حاليا، دراغمة في السنة التاسعة عشر في السجن!. وخلال هذه المدة، كانت عائلته في أكثر من مناسبة تزوره حسب برنامج، يبلغهم عنه الصليب الأحمر. وفي كل زيارة كانت ابتهال دراغمة (56 عاما)، وهي إحدى شقيقاته تزوره فيها مع والدتها، توجد الكثير من التفاصيل التي يمكن الاحتفاظ بها.
قالت عويضات: "كانت آخر زيارة لي في شهر تشرين ثاني العام الماضي(..)، زيارة مليئة بالمتاعب"، فحاليا، بلغ عمري 80 عاما، وهو سن تراجعت فيه صحتي".
بالشكل الطبيعي، ينال التعب من ذوي الأسرى خلال زياراتهم لأبنائهم في سجون الاحتلال، فقد قالت عويضات عن آخر زيارة لها أن صحتها لم تساعدها خلال الزيارة.
يستطيع اليوم، كل ذوي الأسرى أن يرووا تفاصيل زياراتهم لأبنائهم في سجون الاحتلال في قصص، فالفلسطينيون يتشابهون في رواياتهم عن زياراتهم لأبنائهم في السجون الإسرائيلية. لكن في زيارة لذوي أسير يسكنون في دولة أخرى، فهذا يعني أن تدخل تفاصيل أخرى إليها، فما هي تلك التفاصيل!
عندما يصل الخبر لذوي الأسير ناصر، فيما يخص موعد الزيارة، تبدأ التجهيزات بوقت مبكر، فالمرأة مع والدتها، تأتيان من الأردن إلى طوباس، ثم إلى الزيارة.
ولأن ابتهال تسكن في مدينة جرش، ووالدتها في السلط، فإنه يجب عليها الاجتماع في منزل والدتها والمبيت عندها، للتوجه إلى الضفة الغربية.
قالت ابتهال لمراسل "وفا": "المشقة تبدأ من جرش". تعبيرا منها عن المسافة بين المدينتين قبل التوجه إلى الضفة الغربية.
ففي تلك المرات التي زارت فيها دراغمة مع والدتها لشقيقها، يكون الخوف حاضرا على صحة والدتها، وفي الزيارة الأخيرة كانت والدتها متعبة.
بصوت متحشرج قالت دراغمة: "لن تذهب أمي في الزيارة القادمة لرؤية شقيقي(..)، أنا أعرف أن وضعها الصحي لن يساعدها".
في العادة لا يكون هناك ساعة محددة للسفر من الأردن إلى طوباس، فهي في المجمل تخرج قبل الزيارة بيوم، لكن طريق العودة تكون على عجل.
"نتعامل مع الزيارات حسب الظروف هنا". ففي إحدى الزيارات، عادت دراغمة مع والدتها إلى الأردن في اليوم ذاته، عن طريق تصريح خاص لذلك، وبحسب قول المرأة فإنها وصلت البيت في فجر اليوم الثاني من تاريخ الزيارة.
وقالت: "لم نسترح عند أقربائنا في طوباس، انطلقنا مباشرة بعد الزيارة إلى الأردن ووصلنا قبيل الفجر".
وتابعت: "نتمنى لو ينتهي هذا السجن.. لقد تعبنا من هذه الزيارات"، وقد قصدت في اشارة إلى أن المشقة في هذه الزيارة كبيرة عليهم".
وتابعت: "تأخذ الطريق من السلط إلى طوباس أكثر من 8 ساعات، يقضيها المسافر بين إجراءات قانونية وغيرها، وهي مدة أمكن للحديث عن ناصر، حاليا، يختلف التفكير الباطني لدى عائلة دراغمة عما كانت عليه قبل عقدين من الزمن، ففي رجوع بالذاكرة إلى الزيارة الأولى، قالت عويضات: إنه بعدما عادوا من الزيارة الأولى بدأت بالبكاء على نجلها، لكن، اليوم فإن العائلة على قناعة تامة بأن انفراجة قادمة فيما يخص الأسرى".
وبينت أنه بعد هذه التجربة الطويلة مع زيارات الأسرى، أصبحت العائلة متأقلمة بشكل كبير مع كيفية التعامل معها، بشكل أكثر اتزانا من الماضي. فالوضع قبل 19 عاما كان مختلفا كليا.
وقالت دراغمة: "اليوم صرنا نذهب بانطباع مختلف.. نحن الآن نذهب بمعنويات أفضل من قبل والسبب أن شقيقنا في الأسر يعطينا الأمل".
وأضافت: "خلال ساعة إلا ربع، مناصفة بين الزائرين للأسير، كان ناصر، وهو شاب اعتقله الاحتلال في سن العشرين، يردد كثيرا عبارات عن غد أفضل كما وصفه. وقد وصفت شقيقته ذلك بأنهم باتوا يستمدون القوة منه.
"الأمل موجود" تنقل دراغمة أكثر ما أمكن لشقيقها أن يردده في الزيارات.
بالنسبة لعائلة ناصر، فإنه بعد عقدين من الزمن تقريبا، لا دوام للأسر. وبعد خمسة شهور من آخر زيارة لناصر في سجون الاحتلال، تنتظر العائلة المقيمة في الأردن زيارة جديدة يمكن لها أن تحمل تفاصيل جديدة.
اليوم، تخصص عويضات، في سيرتها الشخصية، مكانا خصصته لكل التفاصيل التي يمكن تدوينها في هذه الزيارات التي تصل المدة بين الزيارة والأخرى لأربعة أشهر.
قبل شهرين تقريبا، نقلت سلطات الاحتلال، دراغمة إلى سجن "نفحة"، لذلك طلب ناصر من والدته عدم المجيء للزيارة القادمة، لكن ذاتها عويضات رفضت ذلك، وقالت: "ما دمت على قيد الحياة سأظل أزوره".
فيما يحل غدا (17-4) يوم الأسير الفلسطيني، يحيي الفلسطينيون هذه الذكرى، وفي سجون الاحتلال أكثر من 5 آلاف سجين.
وأوضح مدير نادي الأسير في طوباس كمال بني عودة، أن عدد الأسرى من مدينة طوباس يبلغ 70 أسيرا، من 22 أسيرا من بين أصحاب الأحكام العالية، وأشبال.
m.a