الرئيسة/  تقارير

ما قبل "كورونا" وما بعده

نشر بتاريخ: 2020-04-15 الساعة: 16:13

جنين -  وفا– فيروس "كورونا" المستجد منذ بدء تفشيه وجه الحياة في العالم، وبدل في سلوك البشر ونمط عيشهم، وبان أثره جليا في الحياة الاقتصادية والاجتماعية على وجه الخصوص.

كثيرون توقفت أعمالهم، وآخرون تعطلت مسيرتهم التعليمية، نتيجة لإجراءات الطوارئ التي أعلنتها دول العالم، ومن بينها دولة فلسطين للحد من تفشي الفيروس، والتي دعت للالتزام بالحجر المنزلي وإغلاق قطاعات اقتصادية عديدة، ما أثر على مناحي الحياة في البلاد.

وكالة "وفا" بحثت في هذا التقرير تأثير فيروس "كورونا"، والإجراءات المتبعة للحد من تفشيه على عدة قطاعات في المجتمع، والتغيرات التي أحدثها، وتوقعاتها لما بعد "كورونا".

فمنذ إعلان حالة الطوارئ، التزم الشاب عقاب سليمان منزله في بلدة عجة جنوب مدينة جنين، بعد أن اضطر لترك عمله داخل أراضي عام 1948، بعد رفضه المبيت.

يقول سليمان (28 عاما) لـ"وفا"، إن إعلان الحجر الصحي فرض عليه وعائلته تغيرات اجتماعية ومادية صعبة، فمنذ بداية آذار/مارس الماضي، اضطر لترك عمله داخل أراضي الـ48 والعودة لمنزله، بعد أن كان يتوجه يوميا منذ الثالثة فجرا حتى السابعة مساء لتأمين قوت أطفاله.

ويضيف: التزمت البيت خوفا من أن أنقل لعائلتي الفيروس، لكن منذ تلك اللحظة وأنا بلا عمل ولا أي دخل يومي، بعد أن كانت إمكانياتي المادية تسمح لي بشراء كل ما يخطر ببال أطفالي، لكن الآن انا في ضائقة مالية، وأكتفي بشراء المتطلبات الأساسية الضرورية، حاولت العمل على مركبة لنقل الركاب خلال فترة الطوارئ، لكن البلد كلها متوقفة.

"كل ما أفكر فيه بعد هذه الكارثة التي أتمنى ألا تطول، هو سداد الديون المتراكمة علي".. يؤكد سليمان.

وكان رئيس الوزراء محمد اشتية أعلن في وقت سابق، أنه سيتم تقديم مساعدات لـ30 ألف عامل، ممن فقدوا وظائفهم خلال شهر رمضان المبارك، بالتنسيق مع وزارتي العمل والتنمية الاجتماعية واتحاد نقابات العمال.

وبالنسبة للمحامي سعيد خليفة، فقد غير اعلان الطوارئ في مخططاته ومشاريعه المستقبلية، بعد أن توقف عمله، حيث إن 95% من القضايا التي يعمل بها هي قضايا مالية، حيث توقفت القضايا التنفيذية، وبالتالي ليس هناك دخل مادي.

 ويوضح أن عمله في المحاماة خلال فترة الطوارئ اقتصر على قضايا مستعجلة لا تشملها حالة الطوارئ، ويمضي غالبية وقته بالحجر المنزلي بالقراءة ومراجعة القضايا السابقة، والتحضير لأطروحة الدكتوراة، لكن ما يخشاه هو أن تطول الحالة، كونه لا أحد يعلم متى ينتهي الفيروس.

وحول توقعاته بعد انتهاء الوباء، يؤكد خليفة أن المواطن يحتاج إلى سبعة أشهر على الأقل حتى يتعافى وتعود الأمور على طبيعتها، مشيرا إلى أنه يتوقع أن يزداد عمله عقب ذلك بسبب تراكم القضايا، خاصة في الأمور المالية.

وقطاع التعليم كان أحد القطاعات التي تأثرت بالإجراءات المتبعة لمواجهة "كورونا"، والذي فرضت عليه التحول السريع للتعليم عن بعد، بعد أن توقفت الحركة والتنقل وعطلت المدارس والجامعات.

الأستاذ في الجامعة العربية الأمريكية أيمن يوسف، تحدث لـ"وفا"، أن الـ45 يوما الماضية فرضت تحولات عديدة، فبعد أن كانت المحاضرات في السابق وجاهية، تحولت في ظل الحجر المنزلي للتعليم الإلكتروني، مؤكدا أن من إيجابيات الحجر الصحي كان تحسين الأداء المهني من خلال التكنولوجيا والاتصال والتواصل مع الطلبة عبر التعليم عن بعد.

ورأى أن الحجر المنزلي إذا استغل بشكل جيد فإنه يحسن من العلاقة الإيجابية مع أفراد الأسرة، ويعالج بعض القضايا، لافتا إلى أنه "أصبح يمتلك وقتا كافيا لمتابعة الحديقة المنزلية والعناية بالأشجار المثمرة".

ويوضح يوسف أنه لم يكن يتوقع أن يواجه هكذا حجر صحي أو وباء مثل كورونا في السابق، فتاريخيا ارتبط المنع بسياسات الاحتلال ومنع التجول خاصة في الانتفاضتين الأولى والثانية، مؤكدا "لم يكن متوقع أن يمنع التنقل ونلتزم بالحجر نتيجة عامل طبي وصحي".

واعتاد يوسف على السفر سنويا للخارج أكثر من مرة، مؤكدا أن بعد انتهاء الفيروس لا بد أن يكون السفر بحذر وضمن إجراءات سلامة، كما يجب تجديد النشاطات السابقة والعودة لحياتنا الطبيعية، وتعزيز أواصل العلاقات الاجتماعية والعودة للحياة الجامعة مع الطلاب.

وكان رئيس الوزراء محمد اشتية أكد أن طلبة الجامعات سينهون الفصل الدراسي في وقته بآلية التعليم عن بعد، وأن الترتيب للفصل الصيفي جارٍ الآن، وتدرس وزارة التربية والتعليم آلية احتساب وتسيير الفصل الدراسي الحالي في المدارس.

مدير عام شركة ومطاحن النصر نعيم نصر، تحدث لـ"وفا"، أن تغيرات كثيرة طرأت على حياته الشخصية منذ إعلان حالة الطوارئ، فلم يخرج خارج بلدته قط، واقتصر مساره اليومي من منزله إلى مقر الشركة.

ويؤكد نصر أنه اتبع نظام جديد في الشركة تماشيا مع الإجراءات المفروضة، حيث يطبق فيه التباعد بين العاملين بالشركة وعدم التجمعات، وارتداءهم الكمامات والأكف.

ولا يخفي نصر ازدياد حجم المبيعات، لأن مجال عمل شركته في المواد الغذائية، إلا أنه يؤكد أن قرار سلطة النقد بعدم ختم الشيكات المرتجعة "بعدم كفاية رصيد" ادت لارتدادات عكسية على سير العمل، فمنذ 23 آذار/ مارس الماضي تتراوح حجم الشيكات المرتجعة بين 80-120 ألف شيقل يوميا.

ويتابع: منذ تأسيس الشركة لم نواجه أزمة مثل هذه الأيام، لم أكن أتخيل أن يحدث هكذا في السابق فقط، أكبر أزمة كنا نتوقعها أن تحدث حربا أو انتفاضة، حتى بذلك لم تكن التجارة تتأثر كثيرا، لكن انتشار "كورونا" أخطر بكثير من الحروب، الاقتصاد تلقى ضربة قوية في هذه الفترة.

"ما قبل كورونا ليس كما بعدها، لقد أعطانا الفيروس دروسا يجب أن نتعلمها للتعامل في كل مناحي حياتنا، كنت معتادا على السفر شهريا، لكن بعد انتهاء الفيروس سأفكر كثيرا قبل أن أسافر، الخوف موجود، خاصة إذا لم يتوصل العالم للقاح أو علاج للفيروس". يؤكد نصر.

وأكدت سلطة النقد في بيان يوم أمس، إنه منذ بداية الأزمة الصحية وإعلان حالة الطوارئ، تم اتخاذ العديد من الاجراءات التي هدفت إلى المحافظة على الاستقرار المالي والتخفيف من الآثار الاقتصادية السلبية على المواطنين، وترتيب التزاماتهم المالية وحفظ حقوقهم في تحصيل أموالهم.

وأضافت أن العديد من الشكاوى من بعض الافراد والتجار والشركات وردت حول استغلال بعض المواطنين لهذه الظروف، وقاموا بشكل متعمد بالتوقف عن تسديد قيمة الشيكات رغم توفر موارد مالية لديهم، محذرة الفئة التي تستغل الظروف ولا تسدد التزاماتها بأن العديد منهم معروف لدينا وجاري العمل على حصر الآخرين من خلال الأنظمة الموجودة لدى سلطة النقد والمصارف، وسيتم اتخاذ إجراءات استثنائية رادعة بحقهم.

ولعل قطاع المواصلات أكثر القطاعات المتضررة خلال الأزمة الحالية، فمنذ منع الحركة والتنقل في أذار الماضي، لم يتمكن السائق مهدي عمرية الذي يعمل على مركبة عمومية على خط نابلس – رام الله من "إدخال شيقل واحد لبيته".

ويقول عمرية لـوفا": في السابق كنت أغادر المنزل من السادسة صباحا حتى ساعات المساء، لكن منذ شهر ونصف التزم بالمنزل نتيجة الحجر الصحي، زاد المصروف في البيت، ولدي التزامات شهرية وشيكات بقيمة 2000 شيقل، ومصروف بيت 2000 شيقل، الوضع كارثي على الجميع، واضطر لشراء مونة البيت بالدين.

ويؤكد أنه لم يكن يتوقع أن يحدث مثل هذه الحالة، "أحاول اختصار المصروف قدر المستطاع لكن حاجة الأطفال لابد من توفيرها".

ويتابع: "بعد انتهاء الفيروس، لا أتوقع أن تكون الحياة بعد كورونا مثل ما قبلها، الناس ستنشغل بسداد الديون، كسائق أتوقع أن يتأثر عملنا بعد كورونا كثيرا كون الحركة ستتراجع".

m.a
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024