التضحية السامية.. "تمنيت أن أحضنها وأقبّل رأسها وأبكي عند قدميها"
نشر بتاريخ: 2020-04-05 الساعة: 15:43
رام الله - مراسل وفا- "كم تمنيت أن أحضنها وأقبّل رأسها وأبكي عند قدميها، كيف لابن يرى والدته تلفظ أنفاسها الأخيرة ولا يستطيع أن يمسك بيدها".
بهذه الكلمات وبنبرة حزينة، تحدث الطبيب محمد وهدان من قرية تياسير شرق طوباس، والمناوب في مستشفى هوغو تشافيز في ترمسعيا لعلاج المصابين بفيروس كورونا، عن وداعه الأخير لوالدته قبل وفاتها في المستشفى التركي الحكومي بطوباس.
تلقى وهدان، أمس السبت، اتصالا هاتفيا من شقيقه يخبره فيه أن والدته المريضة بالسرطان بحالة حرجة، وقد تفارق الحياة في أية لحظة.
وتوجه وهدان مسرعا من ترمسعيا إلى طوباس لرؤيتها، وعندما وصل كانت في حالة غيبوبة تامة، وانطلاقا من مسؤوليته الوطنية وبموقف تتجلى فيه أسمى آيات التضحية، حافظ على مسافة كافية ولم يقترب من والدته حرصا منه على السلامة العامة. وقف بعيدًا يرقبها بحسرة وألم وفي غضون ساعة فارقت الحياة.
وهدان، قال لـ"وفا": "هذا شعور لا يحتمل ولا يمكن وصفه أبدًا. كيف لإنسان يرى والدته تموت ويقف بعيدا عنها ولا يلمسها أو يحتضنها. هي من علمتنا أن نصبر وقت الشدة".
وأضاف: "بفضل الله ألقيت عليها نظرة الوداع، وأنا مؤمن بقضاء الله وقدره".
وأوضح: "لم أقترب نظرًا لطبيعة عملي، وخفت أن أكون مصابا بالفيروس وأنقل العدوى لوالدتي، وبالتالي لأقاربي الذين سيودعونها، ولزملائي أيضا في العمل، ولكن هذا هو الإجراء الصحيح، رغم أن قلبي يتقطع حزنا وحسرة على ذلك".
وفي مراسم تشييعها ودفنها، التي اقتصرت على الأقارب في ظل انتشار فيروس كورونا ومنعا للتجمعات، وقف وهدان بعيدا عن المشيعين، وطلب منهم إفساح المجال له دقيقة واحدة، لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليها قبل مواراتها الثرى.
وقال وهدان: "ما يخفف عني أوجاعي وحزني، هو أنني أؤدي رسالة إنسانية نحو شعبنا في محاربة هذا الفيروس الذي ينتشر حول العالم، خاصة أنني توجهت للعمل في مستشفى هوغو تشافيز كمتطوع وباختياري الشخصي، ولم أدرس الطب إلا لأجل هذا اليوم الذي أساعد فيه شعبي، وعندما أعلنت حالة الطوارئ في البلاد توجهت لتقديم المساعدة ولعلاج المرضى هناك".
وأضاف: "والدتي ربتنا دائما على أن نقدم على خدمة لشعبنا ومجتمعنا، فلا يمكن أن أتخلى عن واجبي تجاه وطني في ظل هذه الظروف الصعبة، رغم أنها كانت مريضة بالسرطان، وكنت كل فترة أرافقها الى مستشفى المطلع في القدس من أجل جلسات الكيماوي".
ومنذ إعلان حالة الطوارئ، طلب وهدان من والدته أن تسامحه لأنه سيذهب للعمل ولن يعود خلال هذه الفترة، وطلب من أخيه مرافقتها في علاجها.
قرر وهدان في الثاني عشر من آذار الماضي، التوجه لمستشفى "هوغو تشافيز" وعلاج المرضى هناك نظرًا لخبرته الطويلة، خاصة أنه عمل في مجمع فلسطين الطبي لثمانية أعوام، ثم انتقل للعمل في مديرية الصحة.
وساعد وهدان في تجهيز المستشفى والاستعداد لاستقبال الحالات المصابة. ومع بدء توافد المصابين، عمل على متابعتهم وفحصهم مع باقي الطواقم الطبية المتواجدة.
وقال: "بناء على الفحص والمعطيات المخبرية، نقرر الخطة العلاجية لكل مريض على حدة، ولغاية اللحظة تعاملت مع أكثر من 25 حالة".
ومنذ ذلك الحين، لم يغادر الطبيب وهدان المستشفى مطلقا، وتواصل مع والدته المريضة باستمرار عبر الهاتف.
وختم: البارحة كان يفترض أن أحجر نفسي لمدة 14 يومًا، وذلك لأن كل طبيب عليه أن يقوم بذلك، فإمكانية إصابة أي طبيب يحتك مع مرضى "كورونا" دائما واردة، اضطررت للعودة الى طوباس لوداع والدتي والمشاركة في جنازتها.
وأضاف: "من اليوم سأبدأ بالحجر المنزلي. ولقد تواصلت مع العمل وأخبرتهم أني مستعد للعودة في الوقت الذي يحتاجونني فيه".
وتواصل الطواقم الطبية الفلسطينية مكافحتها لفيروس كورونا بعد تسجيل أكثر من 220 مصابا بالفيروس. وتضحي هذه الطواقم بحياتها الشخصية وتعمل بعيدا عن عائلاتها لأيام طويلة، مخلصين لقَسَم المهنة، ولرسالتهم الإنسانية والوطنية.
m.a