التكليف لا يعني التشكيل
نشر بتاريخ: 2020-03-17 الساعة: 08:43عمر حلمي الغول بعد فشل خيار تشكيل حكومة طوارئ نتيجة تضارب المواقف المتباينة بين التكتلين الرئيسيين في الكنيست: اليمين المتطرف بزعامة الليكود، ويمين وسط أو المركز بقيادة "ازرق ابيض"، وعدم الاتفاق من حيث الاساس على موقف مشترك لتشكيل حكومة وحدة، كلف أمس الإثنين، الرئيس الإسرائيلي رؤوبين ريفلين بيني غانتس، رئيس تحالف "كاحول لافان" لتشكيل الحكومة بعد ان حصل على دعم 61 صوتا من أعضاء الكنيست الـ23، الذين أدوا أيضا امس يمين القسم. ويعتبر هذا التكليف من حيث المبدأ الخطوة الأولى نحو كرسي الحكومة. لكنه لا يعني الجلوس عليه، لأن المهم أن يحوز النائب وحكومته على ثقة الأغلبية المطلقة على اقل تقدير، أي على 61 صوتا من الـ120 عضوا.
ما تقدم يفتح شهية السؤال لدى المتابع والمراقب على المستويات المختلفة، مثلا لماذا هذا التشاؤم؟ ألم يصوت 61 عضوا من القوائم الأربعة (كاحول لافان، والقائمة المشتركة، وإسرائيل بيتينو، و"غيشر العمل وميرتس") لصالح تكليف الجنرال؟ هل يمكن لأي من أعضاء هذه القوائم أن يتراجع، أو ينسحب؟ أم أن تحفظ بعض أعضاء "ازرق ابيض" نوع من المناورة للحصول على جائزة ترضية أكبر؟ وما مدى قدرة التكتل على التماسك والديمومة. لا سيما وأنه يتشكل من أربع قوى متباينة؟ ومن زاوية أخرى، هل نتنياهو مستعد للتسليم لغانتس؟ هل سيسلم راية الحكومة بسهولة، ويخرج إلى المجهول هائما على وجهه؟ وماذا يمكن أن يفعل خلال الأيام المقبلة من عملية التكليف؟ وهل سيبقى تكتل اليمين متماسكا خلفه دون أي حراك أو زحزحة؟ أليس بين أقرانه في الليكود وقوى اليمين من بات كافرا بوجوده وبقائه على رأس الحكومة؟ ماذا يمكن أن يفعل زعيم الليكود الفاسد؟ وألا تعتبر المعركة الأولى للكنيست الجديدة المتمثلة بعملية تغيير رئيسها بروفة للمعارك الأخرى؟ وحتى معركة تشكيل ورئاسة اللجان ألا تعتبر مختبرا أيضا لإمكانية النجاح من الفشل؟
مرة أخرى أود التأكيد، على أن تكليف رئيس الدولة للجنرال حديث العهد في السياسة لا يعني النجاح في التربع على كرسي الحكم. ولنا في تجربة الكنيست الـ22 الماضية خير دليل على ذلك، حيث كلف كلاهما نتنياهو وغانتس ولم يتمكنا من كسر حدة الاستعصاء والاستقطاب الداخلي. والجميع بات يعلم جيدا استماتة رجل إسرائيل القوي بالبقاء على رأس الحكومة، ليس للهروب من السجن أو الاعتزال فقط، ولكن لأنه مسكون ومهووس بالكرسي أكثر من حكام العالم الثالث. ولديه الاستعداد التضحية بإسرائيل وأمنها ولا التخلي عن الكرسي، لأنه يعتبر نفسه بمثابة الملك المتوج، وأن كرسي المملكة الإسرائيلية الثالثة فصل له، وليس لسواه من صبية القوى والأحزاب الأخرى. وعليه فإن رئيس حكومة تصريف الأعمال سيقاتل قتال الأسد الجريح لإحداث اختراق في تكتل "كاحول لافان" أو "غيشر العمل وميرتس" أو حتى بين أعضاء "إسرائيل بيتينو"، وسيلقي بجوائز ترضية ثمينة لأي نائب قابل للمساومة معه، ومستعد للإنحياز له، وسيحاول أن يستفيد من الكورونا وغيرها من التطورات للبقاء في الحكم. لن يترك شاردة أو واردة دون أن يستثمرها لتحطيم خصمه، أو الذهاب لجولة رابعة. ورغم أن كل من النائبين هندل وهاوزر من تكتل "أزرق أبيض" حافظا حتى الآن على التزامهما بقرارات التكتل، إلا أنهما أقرب في الرؤية لنتنياهو من قربهما لغانتس، وبالتالي إمكانية رشوتهما، إمكانية واردة.
كما أن معركة تغيير رئيس الكنيست، التي رفض إدلشتاين، الرئيس الليكودي الحالي لها الاستجابة لدعوة تكتل "كاحول لافان" بعقد جلسة لتغيير الرئيس. وبالتالي سيناور لعدم تسليم الرئاسة لممثل التكتل المنافس. وسيطيل أمد المعركة، إن استطاع، ولم يتدخل المستشار القضائي للحكومة، مندلبليت. وكذلك الأمر بالنسبة لتشكيل اللجان ورئاستها في الكنيست، والوعود، التي منحها الجنرال بيني للقائمة المشتركة، هل سيتمكن من الوفاء بها؟ ألا يمكن أن تحول حسابات الآخرين حتى من بين أقرانه في التكتل دون الوفاء بها؟ والا يمكن لهذا الخلل التأثير على التصويت لاحقا لصالحه؟ وحتى تشكيل الحكومة، هل سيتمكن من إيجاد توليفة ممكنة وقابلة للحياة لستة أشهر أو لسنة؟
من الصعب الجزم بإمكانية تشكيل الحكومة، لأنه لا يكفي التصوت لصالح تكليف غانتس، والرغبة بهزيمة بنيامين نتنياهو، الأثمان قد تتبدل، والمساومات قد تتعقد ولا تفضي إلى حكومة جديدة. وإن حصل، وتمكن غانتس من تجاوز كل التعقيدات، فإن حكومة الأقلية القادمة لن تدوم طويلا. وأيا كانت النتيجة: إن ذهبت إسرائيل لانتخابات قادمة، او تمكنت من تشكيل حكومة جديدة، فإنني أؤكد مرة أخرى، أن عهد نتنياهو والمملكة الثالثة انتهى منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2018.
[email protected]