مساعي لبنان في استباق السقوط .. هل من الوقت ما يكفي؟
نشر بتاريخ: 2020-03-11 الساعة: 10:08هلا سلامة من دون أي اتفاق على إعادة جدولة الدين مع الدائنين تخلفت الدولة اللبنانية عن دفع سندات "اليوروبوندز" المستحقة لحملتها، وبالتالي فإن هؤلاء ربما متجهون لرفع الدعاوى على الحكومة اللبنانية التي اتخذت قرارها من دون أي رؤية أو برنامج مستقبلي يفتح باب التفاوض مع الدائنين ويجنب لبنان التداعيات الخطيرة لقرار عدم إيفاء الدين.
تعليق دفع السندات حسب الحكومة الجديدة وما تعتبره تخلفا منظما للتخفيف من الأعباء المالية والاقتصادية وبالتالي الاجتماعية فإن كان بالنسبة لها دلالة على النوايا الحسنة فإن الأمر بالنسبة للدائنين مختلف وهم كانوا يصرون على دفع استحقاق آذار بداية وبعده التوجه الى المفاوضات.
وإذا كان صحيحا ما قاله رئيس الوزراء حسان دياب بأن مئات الدول تخلفت عبر التاريخ عن سداد الديون فهذا لا يعني ان التجربة اللبنانية تتشابه بوقائع الأزمة وإدارتها مع تلك الدول فعبثا يحاول المسؤولون التخفيف من مخاطر عدم الدفع على لبنان فلا يتوانون عن الحديث في الإصلاحات التي ينوون القيام بها بما فيها ملف الكهرباء الذي كبد الخزينة نصف الدين العام متناسين ان الجهات الدولية بما فيها الدائنة لم تعد تأخذ وعودهم على محمل الجد وهي أول من اشترط على لبنان تنفيذ تلك الإصلاحات من أجل الوقوف الى جانبه في التصدي لأزمته المالية ولم تلق جدية في ذلك.
التخلف عن السداد وضع لبنان على لائحة الدول المتعثرة في دفع ديونها، وبعد فإن الأمور تزداد تعقيدا، واستحقاقات الداخل ليست بأقل خطورة، فلبنان عاجز عن شراء السلع الحيوية التي يحتاجها اللبنانيون وبحاجة لأكثر من خمسة مليارات دولار لإعادة ضخ السيولة اللازمة في السوق المحلي وتحريك الدورة الاقتصادية، وليس بعيدا عن ذلك ما اعترف به رئيس الوزراء حسان دياب بأن احتياطاتنا من العملات الصعبة قد بلغت مستوى حرجا وخطيرا، فالسؤال: من أين ستدفع الدولة غدا رواتب موظفي القطاع العام، وإذا كانت تنوي فرض ضرائب جديدة فعلى من؟ اذا كان الفقر طال أكثر من نصف الشعب اللبناني وثلثه مهدد بالمجاعة؟
المنافذ المالية من الداخل والخارج مغلقة، فكيف يحصل لبنان على الأموال إذا ما أصر على استبعاد صندوق النقد الدولي الذي تشترط معظم الدول تدخله في وضع برنامج واضح قبل تقديمها أي دعم مالي، حتى ان فرنسا التي تعتبر الأكثر حماسا لإنقاذ لبنان من أزمته كانت صريحة في ذلك حين علقت مقررات "سيدر" وأي قروض مالية ببرنامج متفق عليه مع صندوق النقد.
وما بين دعم بعض الأطراف السياسية لطلب المساعدة من صندوق النقد الدولي للسيطرة على تدهور الوضع المالي والاقتصادي ورفض حزب الله لذلك تتوسع هوة الخلاف بين السياسيين ويزداد المشهد اللبناني وعلى كافة الصعد تعقيدا.
ترى الأطراف السياسية (الداعمة لصندوق النقد) في رفض حزب الله له تسييسا، إذ إن الأخير يعتبر الأمر بمثابة فرض وصاية مقنعة من الأميركيين على لبنان وتقليص لفرض هيمنته على بعض ادارات ومؤسسات الدولة في حال تطبيق الإجراءات الإصلاحية التي سيقترحها الصندوق.
يدحض الخبير الاقتصادي اللبناني الدكتور مروان إسكندر نظرية الهيمنة الأميركية على صندوق النقد الدولي وبعده على لبنان من تلك البوابة ويقول: هناك ايضا اقتصاديون لبنانيون يعملون في هذا الصندوق، ومن يمثله اليوم في الشرق الأوسط هو جهاد ازعور وزير المالية الأسبق في لبنان.
بالنسبة لإسكندر لا نظريات مقنعة أمام الضائقة المالية بما فيها فرضية حزب الله بأن صندوق النقد سوف يرسم طريق لبنان. وبرأيه كل ما يتوحب علينا كلبنانيين أن نستقل بالرأي، وكان بإمكاننا ذلك ولكن منذ استلام التيار الوطني الحر وزارة الطاقة خسرت الخزينة 34 مليار دولار كمساعدة للكهرباء بفائدة 6 ونصف بالمئة الى ان وصلت الخسارة الى 52 مليار دولار ما يعني أن نصف الدين العام تسبب فيه قطاع الكهرباء.
إذا راجعنا موازنات الدولة خلال العشر سنوات الأخيرة فإن العجز لم ينقص مرة واحدة بخلاف ما كان المسؤولون يعدون الشعب به وأحد لم يحاسب النواب على معالجتهم لأرقام الموازنة وبالتالي ما نحن واقعون كلبنانيين به لن نخرج منه إلا اذا تغير النفس السياسي في البلد.
ففي عام 2008 وقعت ازمة اقتصادية عالمية قام يومها المغتربون اللبنانيون بتحويل 24 مليار دولار الى المصارف اللبنانية ما ادى الى ازدهار لبنان عام 2009، ولكن اليوم اللبنانيون وبعكس ذلك يحولون أموالهم للخارج بسبب عدم الاستقرار السياسي وعدم الثقة ببلدهم.
حسب إسكندر اذا ما توافقت الأطراف السياسية على دعم الصندوق فإن 10 مليارات دولار كافية ان تنعش الاقتصاد في لبنان ولكن هناك حاجة على الأقل الى خمس أو ست سنوات لإصلاح الوضع الاقتصادي. ويضيف ان المطلوب هو إصلاح إداري واسع وهذا الأهم وإلا لن يكون باستطاعتنا النهوض من أزمتنا، وبداية الإصلاحات تبدأ بالأمور الأساسية والبديهية في حياتنا كمواطنين كأن تكون المياه التي نشربها نظيفة والبحر الذي نسبح به نظيف وكهرباؤنا 24/ 24 وبأكلاف معتدلة وبغير ذلك لا مستقبل للبنان.
ويختم الخبير اللبناني ان دعم الصندوق الدولي بات ضرورة ولكن للأسف هناك سياسيون لا يراعون المصلحة اللبنانية بسبب أطماعهم ليس إلا.
اذا في ظل استبعاد حكومي لصندوق النقد الدولي وتعليق دفع "اليوروبندز" وسعي الحكومة الى إعداد خطة مالية تقول إن فيها من الإصلاحات ما هو مطلوب من أجل استعادة الثقة الدولية والعبور الى طاولة التفاوض مع الدائنين الذين لم يحسموا أمرهم بعد في المقاضاة أو القبول بإعادة هيكلة الديون يبقى السؤال إذا ما كان لبنان لديه بعد من الوقت ما يكفيه لإثبات النوايا واستباق حالة السقوط الكلي؟!