الرئيسة/  مقالات وتحليلات

أزمة إسرائيل بنيوية

نشر بتاريخ: 2020-03-10 الساعة: 11:16

عمر حلمي الغول يخطئ من يعتقد، أن أزمة دولة الاستعمار الإسرائيلية، هي أزمة راهنة، أو طارئة، وتتعلق بتشكيل الحكومة، أو أزمة يمين متطرف ويمين وسط. الأزمة أعمق من ذلك، وذات صلة بنشوء وولادة الدولة المشروع الكولونيالي الصهيوني. لأنه مشروع مفبرك، ومركب ولا يملك مقومات التطور الطبيعي. لا سيما وان كل مناحي الحياة والوجود فيه، هو وجود مفتعل، غير ذي صلة بالتاريخ والجغرافيا والثقافة والتجانس المجتمعي.
صحيح تمكنت الدولة المشروع الصهيوني من الوقوف على قدميها 72 عاما، وقد تواصل البقاء لسنوات أُخر. والسبب يعود لارتباطها ارتباطا عميقا وحيويا بعمليات التنفس الاصطناعي، التي يوفرها الغرب الرأسمالي في مختلف مناحي الحياة. غير ان الدعم غير المسبوق، ليس، ولا يمكن أن يكون دائما؛ كما ان المجتمع الإسرائيلي يعاني من كم كبير من التناقضات التناحرية، أو فوق التباينية، وهي لا تنحصر في التناقضات الطبقية والاجتماعية، انما تناقضات إثنية وثقافية وسلوكية ودينية وطائفية ومذهبية وجنسية وعلى اساس اللون، وجميعها تولد الكراهية، والعنصرية والفاشية.
والأهم من كل ما تقدم، عدم وصول الكتلة البشرية المدفوعة بالهجرة لفلسطين، ورغم كل الامتيازات، المالية والعقارية والاقتصادية والنفعية، التي يولدها المشروع الصهيوني من خلال الغرب، ونتيجة الاغتصاب والسيطرة على أرض الشعب الفلسطيني وحقوقه ومصالحه وثرواته الطبيعية والاقتصادية، رغم كل ذلك لم يتوفر حتى اللحظة المعاشة اليقين بينهم جميعا ببقاء واستمرارية المشروع الكولونيالي، وكل يوم تزداد الريبة والشك بينهم جميعا من نخب البناء الفوقي، إلى باقي مكونات البناء التحتي. حتى اولئك المستوطنين، الذين جاؤوا في السنوات الأخيرة، وأقاموا مستعمراتهم على الأراضي المحتلة في الخامس من حزيران 1967، ليسوا افضل حالا ممن سبقوهم.
جميعهم لديه القناعة، ومن خلال المشاهدة الحية، وعيش الواقع بمراراته وسوداويته، ولحجم وثقل التناقضات الداخلية، بأن مشروعهم آيل للسقوط والهزيمة من الداخل بحرب اهلية طاحنة، أسوة بالمشروعين التاريخيين لإقامة المملكتين اليهوديتين في غابر الأزمان وبغض النظر عن مكان إقامة تلكما الدولتين، إن كانت على الأرض الفلسطينية، أو على ارض شبه الجزيرة العربية، أو اليمن، كما خلص كل من الكاتب والمؤرخ اللبناني، كمال الصليبي، أو الكاتب والمؤرخ العراقي، فاضل الربيعي، أو الكاتب الفلسطيني عبد الحفيظ محارب. أضف إلى وجود وتجذر الشعب العربي الفلسطيني في ارض وطنه، وتمسكه غير المشروط بوطنه الأم، الذي لا وطن له غيره.
ومن يعود لتصريحات كل من نتنياهو، رئيس حكومة تسيير الأعمال الحالي، أو وزير جيشه، نفتالي بينيت، اللذين صرحا في الشهور الأخيرة وقبل انتخابات الكنيست الـ23 عن تمنياتهما بتجاوز الدولة المشروع العقد الثامن. حيث تلازمهم جميعا حالة الرهاب والفوبيا من عدم إمكانية تجاوز الدولة المشروع الصهيوني العقد الثامن. وكان دون بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل حواره مع رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، ناحوم غولدمان، عندما سأله الأخير، هل تعتقد انك ستدفن في إسرائيل؟ قال، نعم. ولكن ابني او حفيدي لا اعتقد انه سيدفن هنا. هذا الهاجس والرعب من المجهول يلاحق كل مستعمر صهيوني وفد للوطن الفلسطيني، لأنهم فاقدو الثقة بالمستقبل، ومواصلة الحياة على أرض شعب حي يواصل الكفاح من اجل التحرر الوطني، والانعتاق من مستنقع الاستعمار الصهيوني الجاثم على ارضهم. ولا اريد اعادة التذكير بمقالة آري شابيط، التي تم نشرها في صحيفة "هآرتس"، ثم تم توزيعها على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا ايضا اود التوقف عند كتب البروفيسور، شلومو ساند، وابرزها "اختراع الشعب الإسرائيلي" .. إلخ من الأسماء والكتاب المؤرخين وعلماء الآثار، الذين نفوا كليا وجود أية آثار تدل على وجود الممالك اليهودية في فلسطين.
باختصار، أود التأكيد على ان هزيمة واضمحلال المشروع الصهيوني وقاعدته المادية، الدولة الإسرائيلية ستكون أولا بفعل كم التناقضات التناحرية، التي تعصف بمكوناتها الاجتماعية والإثنية والدينية، وثانيا بفعل الكفاح المتواصل للشعب العربي الفلسطيني، وثالثا لأن إسرائيل مرفوضة، ولا يمكن للمحيط العربي التعايش معها، ورابعا لأنها دولة خارجة على القانون، ومنتجة للحرب والإرهاب والفوضى، والكثيرون ممن ساهموا بإنتاجها، وأغدقوا عليها الأموال والأسلحة والبشر، باتوا يتراجعون تدريجيا عنها، وعن دعمها، لأنها باتت عبئا عليهم وعلى مستقبل البشرية.
[email protected]

anw
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024