أعلِنوا الكفاح المسلح.
نشر بتاريخ: 2020-03-02 الساعة: 10:27بكر أبو بكر حين تثور المشاعر تطغى على رِباط العقل فيفلت من عِقالة، ويتشتت الذهن وتتوه الأفهام، والحكيم من استطاع تحقيق الموازنة بين المشاعر الجياشة وبين متطلبات الواقع التي تحتكم الى تقدير العقل.
تبرز بين كل حين وآخر مطالب جامحة سهلة اللفظ وعميقة الأثر النفسي، "أي شعارات" خلّبية، ولكنها صعبة التحقيق إن لم تكن مستحيلة وهي في الوقت ذاته تلقى هوىً في النفوس، ما يجعل التصدي للمشاعر والهوى وكأنك تسير عكس التيار.
العدوان الاسرائيلي بكافة أشكاله الاستعمارية والعنصرية الوضيعة والوحشية لا يتوقف ضد الشعب العربي الفلسطيني، من قتل بشع وهدم بيوت وتجريف أراضٍ وسرقتها وتقطيع أوصال البلاد واهانة وحواجز ... وتهويد، وما لا يحصى من اعتداءات أصبحت من مُفردات حياة الفلسطيني، أضف لها تعملق اليمين اليهودي العنصري خرافيّ الرواية، وسدّه لآفاق الحل السياسي فتصدم أذنيك عند كل أزمة أو محنة جديدة المقولات (السهلة اللفظ) التي إما تطالب بالذهاب الى المجهول عبر التخلي عن الكائن أي السلطة، أوالعودة لما يجب أن يكون بالكفاح المسلح!
ولندع الأولى ونتحول الى الثانية أي الكفاح المسلح، وهو المطلب الذي تثور المشاعر معه وتطغى على رباط العقل فتأتيك المقارنات بين العمليات الفدائية المتواصلة في فترات العنفوان العربي (لاحظ العنفوان العربي)، ومع توهان المشاعر يتوه المقياس ويختلّ الميزان ، والميزان المختل والمقياس غير المنضبط هو ذاته المرتبط بأصحاب العقل الماضوي الذين يعقِدون المقارنات بين الواقع الحالي والواقع السابق (الماضي) دون أن يلتفتوا الى المتغيرات وهي التي تحكم القرار أو التوجه أو التفكير السليم.
ومن لا يدرك المتغيرات يُخرج نفسه بإرادته من ربقة الحكماء أو القادة، وعليه يصبح مقياس الماضي بالنظر لزهو تلك اللحظات حين عزلها عن مكوناتها مقياسا فاسدًا اليوم، بل ويصبح من الضروري إعادة بناء الأفكار بما يتسق مع المعادلة الصحيحة فلا نتائج صحيحة إن كانت المقدمات خاطئة، والتاريخ لا يعيد نفسه كما يقولون، وإنما يسير في خط متعرج تماما كحقل ألغام ياسر عرفات.
إن التعامل مع الواقع القائم لا يعني إغفال الماضي وانما الاعتبار منه، بمعنى أن يُستفاد من الاخفاقات ويتم استلال مكامن الايجابيات ومراكمتها، وبتفهّم التغيير القائم. والتعامل مع الواقع يفترض معادلة تأخذ بالاعتبار عوامل القوة المادية والقدرة البشرية والتأثير الاستراتيجي بين الدوائر الثلاث الوطنية والاقليمية والعالمية وبدونها تتوه البوصلة ولا يتحقق الهدف.
الكفاح المسلح كان خيارًا –ليس وحيدا وإن قيل ذلك-ضمن سياق حرب الشعب طويلة الأمد (النفس) التي لم ترفض الوسائل الأخرى، وإنما فهمته النظرية النضالية في ظل عوامل قوة ذاتية نامية ومدعومة، وفي ظل أمة عربية ناهضة وغضّة المشاعر ومتحمسة، وفي سياق عالم المعسكرين معك وضدك، الذي عبر الزمن ضعُفت فيه مختلف العوامل الذاتية والاقليمية بانحسار المد القومي والخروج العربي من معسكر المواجهة العسكرية نهائيا ثم التفتيت الامريكي الاسرائيلي المبرمج للمنطقة حتى تحولت اليوم لأشلاء وحُطام كما كان يريد "بن غوريون" مؤسس الدولة الاسرائيلية على أرض فلسطين .
ويأتيك من يقول: لم لا تعلنوا حل السلطة؟ ولم لا تعلنوا الكفاح المسلح؟ وكأن الإعلان هو مجرد منشور صاخب على فيسبوك؟ يحتاج لحشد من الاعجابات! وليس ميزان قوى ومعادلات وعي وتحشيد، وقرار جماعي وعوامل ذاتية وموضوعية أخرى تأخذ بالاعتبار القوى والمتغيرات والفرص والتي بدون فهمها يصبح القرار المتهور قفزًا الى المجهول.
لم يكن يومًا في عُرف حركات التحرير الوطنية عامة أن جاء الفكر العُنفى الثوري كبديل وحيد لتحقيق الاستقلال أو التخلص من الظلم وإنما كان يأتي في سياق وعي وتقدير الظروف والمقياس الموضوعي ومدى تلاصق الدوائر.
في فيتنام على سبيل المثال حصل تحالف قوى الشعب الثائر مع دول ثلاث منها دولتين عظميين (روسيا والصين) لتستطيع البلد انتزاع الحرية بالبندقية.
واليوم حين يصبح العالم يسبح وراء قوة عالمية واحدة مهيمنة ظالمة وقاسية ومنحازة للاحتلال، فإن آفاق تحقيق الاستقلال أو الحرية بالسلاح وحده يصبح كأننا نستدعي حجابا أو تميمة لا نملكها ممثلة ببندقية غير مسيسة وغير واعيه للمتغيرات تفرغ الطلقات كيفما اتفق أوتحت إمرة ركّاب وسائل التواصل الاجتماعي! أو بناء على إرادة خارجية.
أعلنوا الكفاح المسلح! دعوة قد تصدر من حناجر مقهورة ، وقد تكون دعوة سليمة النيّة في ظل حق الشعوب في تقرير المصير والتي من ضمنها العمل المسلح، ما لايجب أن نتخلى عنه، وهي دعوة توضح ثورة المشاعر ومدى الضيق والألم، بل وتعلن الرفض للواقع الفلسطيني والعربي القائم،وتنهد نحو تحرير فلسطين. ومما لا شك فيه أن سلامة النوايا لا تحرر وحدها الأوطان ما يحتاج منّا لإعادة بناء الفكرة والتحشيد وتفحص المتغيرات بعناية بما لا يطعن في الخيارات المستقبلية، وبما يحقق في الآن في الحاضر تقدمًا، أو حالة لا تؤثر سلبا على هدفنا المركزي وعلى خيارات الأجيال.
anw