الرئيسة/  مقالات وتحليلات

التلميذ ملك الدولة والمعلم أمينها التربوي

نشر بتاريخ: 2020-02-27 الساعة: 10:11

موفق مطر لا أسوأ من العنف البدني على الأطفال، إلا عقلية مستوطنة في أذهان المجتمع تبرر ضرب التلاميذ في المدارس، وكأن التربية عند هؤلاء لا تثمر إلا بالعصا والصفع على الوجوه.
نعتقد أن عقل وعلوم ومعارف وسلوك المعلم تحفظ مكانته وهيبته حتى يستحق التبجيل والاحترام، وتاجهما المحبة، أما المعلم الذي يحمل بكفه الكتاب والقلم والطبشورة ويهبط إلى مستوى توجيه صفعات لتلميذ قد تسبب له ارتجاجا في الدماغ، أو ينهال بأطرافه العلوية والسفلية على جسم تلميذ في المرحلة الأساسية فإنا لا نراه إلا شخصا يحتاج إلى ضبط نظامي وقانوني ثم علاج نفساني، وإرشاد ينطلق من الصفر.
تكمن المشكلة في معلم يدرك جيدا الوسائل التربوية البديلة للعنف، لكنه ولأسباب أخضعت عاطفته لمفاهيم شخصانية سلطوية طغت على التعليمية والتربوية والتوجيهية نراه فاقدا السيطرة على أعصابه، متخذا من العقاب البدني تعبيرا عن قوة شخصيته المفقودة، دون إدراك بأنه يضعفها ويدفعها إلى أدنى الدرجات.
لم نعد نحتمل رؤية تعليم أو انضباط أو تربية بالإكراه، فالتعلم، وإبداء حسن السلوك داخل حرم المؤسسات التعليمية أو خارجها، والالتزام بالوقت واحترام المواعيد ستكون نتائجه أفضل من المتوقع إذا طبق المعلم المناهج الخاصة، وستكون نموذجية إذا أبدع في نظم ما يناسب بيئة التعليم، ونجح دون اللجوء إلى الضرب المخالف لمبادئ التربية والتعليم.
قد لا يحتاج المعلم لواحد يذكره بأن العنف البدني واللفظي يدمر نقاط القوة في شخصية التلميذ كالصدق وشجاعة الاعتراف، ويمنح نقاط الضعف فيها كالخوف والكذب مثلا فرصة التفوق، فيتحول التلميذ منذ صغره إلى شخص سلبي، والمؤسف في هذه الحالات أن يكون السبب معلما ضعيف الشخصية، لا يجد سبيلا للتقويم أو العقاب إلا الضرب والعنف البدني واللفظي.
كان العنف البدني لبعض أساتذتنا في مرحلة التعليم الأساسي بمثابة سلك شائك يمنعنا من التقدم نحو أهدافهم في عملية التعليم، ويمنعهم من ولوج عقولنا وقلوبنا، حتى إن خبر مرض الأستاذ صاحب العصا شديد العقاب كان بالنسبة لنا انزياح كابوس عن رؤوسنا، أما الخبر المماثل عن أستاذ قدير ملك عقولنا قلوبنا فقد كان يدفعنا ليس للقلق عليه وحسب بل تشكيل باقة زهور من أحواض ديارنا وزيارته في بيته، ونفتقد حضوره الطيب في قاعة التدريس (الصف).
ليس أمام التلميذ في المدرسة إلا خيار الالتزام بمتطلبات التعلم، والانضباط وحسن السلوك في المدرسة كسبيلين لابد منهما ليتعلم ويكتسب المعرفة وتكوين مثل أعلى في حياته، فكل واحد منا كان أستاذ ما في مدرسته مثلا أعلى له، وعلى التلميذ العلم أن مخالفته نظام المدرسة ستعرضه لعقوبات متسلسلة ومتدرجة حتى تصل إلى نقطة الفصل، والتي تعني استنفاد كل وسائل الهيئة التعليمية في تقويمه وإعادته إلى سكة التعلم والسلوك الحسن بالوسائل التربوية الخالية من العنف البدني واللفظي.
يمتلك المعلم خيارات لا محدودة لتطبيق منهج التعليم والتربية وضبط السلوك، والالتزام بالنظام والوقت، ويمتلك وسائل عقاب نظامية مشروعة، يمكنه تطبيقها حسب الأصول دون الاضطرار للهبوط إلى مستوى جلاد كما رأينا في آخر شريط فيديو عرض على صفحات التواصل الاجتماعي الفيسبوك، الشريط الذي بدأت مديرية التعليم في محافظة نابلس التحقيق بأحداثه وحيثياته، فالمعلم ليس مضطرا للإساءة لشخصه خصوصا ولمقام المعلم عموما، ولمكانة حرم التعليم (المدرسة)، وليس عليه إلا تطبيق النظام الخاص بالعقاب ولكن ليس قبل مشاركة ولي أمر التلميذ بكل النقاط السلبية في ملفه.
نريد شخصية متوازنة في مجتمعنا، وبناؤها يبدأ بشراكة ممنهجة ما بين أولياء الأمور وهيئة التعليم في كل مدرسة، حتى التلميذ المتميز بسلبياته فإنه يحتاج إلى تمييز في الاهتمام والمتابعة حتى تقر الهيئة التعليمية والأسرة بعجزهما وعدم قدرتهما، ما يعني وجوب تدخل جهات الاختصاص لإجراء معالجات صحية ونفسانية، فالشارع ليس حكما ولا حلا.
نعتقد بوجوب وجود إطارات خاصة في وزارة التربية والتعليم مهمتها الاعتناء بشريحة تلاميذ يعجز صبر المعلم على الصبر على فوضاهم ومشاغباتهم وسلوكياتهم المخالفة لنظام المدرسة ولمنظومة المجتمع الأخلاقية والسلوكية أيضا.
أما أولياء الأمور فإنهم يتحملون مسؤولية كبيرة وتحديدا في أخذ تقارير المدرسة وتقييماتها لسلوكيات أبنائهم ومستويات رغباتهم في استيعاب الدروس، وكذلك كل المتعلق بنشاط التلميذ سلبا كان إو إيجابا على محمل الجد..والتعاون الوثيق مع إدارة المدرسة حتى يكون القرار الذي يحدد مستقبل التلميذ في المدرسة أو خارجها مشتركا ما بين مؤسسة العائلة ومؤسسة الدولة، فالتلميذ أولا وأخيرا هو ملك مجتمع الدولة والمعلم أمين على منهجها التربوي والتعليمي..

anw
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024