الرئيسة/  مقالات وتحليلات

ساندرز الأميركي الجدي

نشر بتاريخ: 2020-02-27 الساعة: 10:04

عمر حلمي الغول الشعب الأميركي ليس لونا واحدا، ولا يجوز وضع الشعب الأميركي ونخبه السياسية في سلة واحدة. الشعب الأميركي أسوة بشعوب الأرض قاطبة فيه اجتهادات، وتوجهات ومشارب فكرية وسياسية متعددة ومتنوعة، وحتى في أوساط الدوائر الضيقة بين صناع القرار توجد تباينات وتلاوين مختلفة. بيد ان فريق أي إدارة حاكمة، وأيا كانت ميول وتوجهات أعضائه، يبقى ممثلا لسياسات الولايات المتحدة العميقة، التي تتصف بالعدائية، والتغول على مصالح وحقوق شعوب الأرض كلها بما في ذلك الشعب الأميركي نفسه حتى تاريخه، إلى ان تأتي إدارة تمتلك رؤية مغايرة لما سبقها منذ تأسيس الولايات المتحدة.
اردت ان اؤكد ضرورة التمييز بين الأميركيين، ورؤية القديم الجديد في النخب السياسية، التي تحظى بمكانة واسعة في أوساط الشعب الأميركي، ومنهم المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز، وهو من اتباع الديانة اليهودية، وله حظوظ جيدة ليكون المنافس الأبرز للرئيس دونالد ترامب في الانتخابات القادمة (نوفمبر القادم). هذا الرجل أعلن مواقف سياسية متقدمة في الشأنين الداخلي والخارجي ومن ضمنها مواقفه من مسألة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لا سيما وان الأمر يتعلق بمصير ومستقبل الشعب والقضية والمشروع الوطني الفلسطيني. ومن تلك المواقف: أولا- أعلن صراحة رفضه الاشتراك في اعمال مؤتمر "الإيباك" الصهيوني، الذي يعقد هذه الأيام، وحسب تصريحه، ان "الإيباك يشكل منبرا مفتوحا لغلاة التطرف الإسرائيليين، وأنصارهم من المتصهينين الإفنجليكان، ويؤجج مشاعر الكراهية والعنصرية في أميركا وإسرائيل. ثانيا- في المناظرة الخامسة في ولاية فيرمونت، قال "على الولايات المتحدة ان توفر ظروفا متساوية للجانبين، ويجب عليها ايضا ان تكون مؤيدة للفلسطينيين". ثالثا- أكد يوم الخميس الماضي (20/2/202) ان بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، هو رجل عنصري، ودعا إلى سياسة أميركية توفر مساحة للأمن الإسرائيلي ومنظور "مؤيد للفلسطينيين". رابعا- دعا إلى استخدام المساعدات الأميركية المقدمة لإسرائيل للضغط على الحكومة الإسرائيلية للامتناع عن توسيع البناء الاستيطاني الاستعماري في الضفة الغربية. خامسا- أكد انه في حال انتخابه سيعيد السفارة الأميركية من القدس إلى تل ابيب، وهو كرئيس يملك القرار، الذي يتيح له ذلك، رغم قرار الكونغرس بالموافقة على نقل السفارة عام 1995.
ولم يكن بيرني ساندرز المرشح الديمقراطي الوحيد، الذي طالب باتخاذ مواقف معتدلة، وغير منحازة لإسرائيل، انما انضم إليه مرشحان ديمقراطيان آخران، هما إليزابيت وورن، وبيت بوتيجيج، اللذان طالبا في مناظرة لوس انجلوس بـ "ترك الباب مفتوحا أمام استخدام المساعدات الأميركية لإسرائيل كوسيلة ضغط على الدولة الإسرائيلية لتغيير سياساتها إزاء الفلسطينيين". وركز بوتيجيج غضبه على ترامب في المناظرة ذاتها، لأن خطواته المؤيدة لإسرائيل تعتبر تدخلا في السياسة الداخلية الإسرائيلية"، وكأنه اراد ان يقول بشكل غير مباشر، ان سياسة ترامب اندمجت في السياسة الإسرائيلية، وباتت رهينة لمشيئة اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو وزمرته.
المرشحون الثلاثة وغيرهم من النخب السياسية، هم من يحتاجهم الشعب الأميركي لانتهاج سياسات داخلية ودولية تخدم مصالح الشعوب والأمم كلها، وتعيد الاعتبار للشرعية الدولية، وتوقف التغول الصهيوني عن جرائم حربه ضد الشعب العربي الفلسطيني، وتدفع بعربة السلام الممكن والمقبول للامام، وتحول دون اختطاف قادة إسرائيل المنطقة عموما إلى محرقة جديدة.
وأيا كانت نتائج الانتخابات الأميركية القادمة، فاز ساندرز فيها، او لم يفز، فإنه كأميركي من اتباع الديانة اليهودية يشكل رافعة مهمة في فضح وتعرية نتنياهو المتهم بالفساد وائتلافه المتطرف، وبذات القدر وأكثر ساهم مع اقرانه المرشحين الديمقراطيين وورن وبيتجيج، وحتى بايدن، نائب الرئيس الأميركي السابق بإماطة اللثام عن الوجه القبيح للرئيس دونالد ترامب وإدارته، التي ساهمت بشكل غير مسبوق في تبديد جهود السلام القائمة على اساس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، وفتحت فوهة بركان العنف والفوضى والإرهاب الصهيوني ليعيث فسادا في الأرض، وليس ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه السياسية فقط.
ساندرز وأقرانه من الحزب الديمقراطي ليسوا جددا بالمعنى الدقيق للكلمة، ولكن إعلانهم مواقفهم الرافضة لخيار قادة اليمين المتطرف الإسرائيلي، وسياسة إدارة ترامب المتصهينة، ودعمهم لخيار الدولتين في خضم الحملة الانتخابية يشكل نقلة مهمة ونوعية في مسيرة الحملات الانتخابية الرئاسية السابقة.
[email protected]

anw

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024