كأنه استشهد الآن
نشر بتاريخ: 2020-02-26 الساعة: 14:37
رام الله مراسل وفا- في الرابع من كانون الأول/ ديسمبر عام 1993، عاد محمد اخليل إلى منزله في بلدة بيت أمر شمال مدينة الخليل، محتضنا بين ذراعيه نجله أحمد مضرجا بالدماء، بعد سقوطه من الطابق الثالث أثناء عمله في تركيب القرميد، كان حينها في الثامنة عشرة من عمره.
والدة أحمد بدأت بالصراخ والبكاء ظنا منها ان نجلها قد فارق الحياة، لكن زوجها هدأ من روعها بالقول: "أحمد كتب له عمر جديد، أحمد ما مات".
هذه ليست المرة الأولى التي نجا فيها أحمد من موت محقق، ففي عام 1975، أصيب بحمى شديدة عقب ولادته بسبعة أيام، ودخل في غيبوبة استمرت شهرا، وعندما يئس الأطباء من حالته، اخبروا عائلته أن وضعه ميؤوس منه واحتمال شفائه ضئيل جدا.
العائلة بقيت متمسكة بالأمل، وعرضته على أطباء كثر، إلى أن اكتشف طبيب من مستشفى المطلع بمدينة القدس المحتلة حيث كان يرقد أحمد، بأن علاجه يحتاج إلى حقنة لا يتجاوز سعرها 25 دينارا أردنيا، لينجو من الموت للمرة الثانية.
تغلب أحمد على الحمى والسقوط من علو، لكنه لم ينجُ من رصاص الاحتلال الإسرائيلي، الذي باغته عام 1993، بينما كانت بلدته بيت أمر، تستعد لإحياء الذكرى السنوية الثالثة لاستشهاد جمال عادي.
أصاب جنود الاحتلال، أحمد، برصاصة في رأسه مباشرة، وسقط في حضن والده شهيدا، واندفعوا نحو المواطنين في محاولة لاختطاف جثمانه، وبعد عراك معهم استطاع الشبان تخليصه من بين أيديهم، والفرار به إلى منزل أحد أقربائه في البلدة.
جن جنون الاحتلال، الذي فرض حظرا للتجوال على البلدة، واقتحم منازل المواطنين بحثا عن الجثمان، لكن كل محاولاته باءت بالفشل لأن أحمد كان قد ووري الثرى.
لم يكتب لعائلة الشهيد أن تودعه، حيث شيعه رفاقه على عجل، وتتذكر والدته حتى الآن أن أحمد كان يرتدي عند استشهاد ملابسه الشتوية، معطفا أسود وبنطالا كحليا، ويحمل في جيبه بطاقته الشخصية.
اليوم، وبعد 27 عاما على استشهاد أحمد، عاد لعائلته ما يذكرهم به، وكأنه استشهد الآن.
ففي الرابع والعشرين من شهر شباط/ فبراير الجاري، توفي أحد أقرباء الشهيد، وكانت وصيته أن يدفن إلى جانب أحمد، وبعد فتح القبر، تفاجأوا بوجود بطاقة أحمد الشخصية برتقالية اللون مركونة في إحدى زواياه، حملها والده محمد اخليل (74 عاما) وهرع مسرعا نحو المنزل ليعطيها لزوجته.
"عندما تحسست بطاقته الشخصية عادت بي الذاكرة إلى 45 عاما خلت، حين كان قريبا جدا من الموت لكنه الله نجاه من الحمى، وفي المرة الثانية عندما سقط من أعلى البناية ونجا أيضا، لكن إرادة الله أن يرتقي شهيدا". تقول والدته أم ناصر.
تضيف: "عندما احتضنت بطاقته بكيت بحرقة، شعرت وكأنني احتضنه هو".
أحمد الابن الأصغر لعائلته، ولد في الـ15 من آيار/ مايو عام 1975، ولديه ستة أشقاء، كان يعمل قبل استشهاده في تركيب القرميد، ثم في رعي الأغنام، وبعدها انتقل للعمل في ورش البناء.
منذ عام 1970، ارتقى في بلدة بيت أمر نحو 45 شهيدا، أقدمهم محمد راجح أبو عياش، وآخرهم رامي صبارنة الذي ارتقى في شهر تموز/ يونيو 2018.
m.a