الرئيسة/  مقالات وتحليلات

جولة رابعة، أو...

نشر بتاريخ: 2020-02-24 الساعة: 10:06

عمر حلمي الغول المتابع للمشهد الإسرائيلي يصل إلى نتيجة سياسية وعلمية في آن، أن الدولة الكولونيالية، التي تعيش أفضل لحظات حياتها خلال عقود وجودها السبعة الماضية إقليميا ودوليا، تعيش في الوقت ذاته أسوأ لحظات تاريخها على الصعيد الداخلي، حيث تتفشى التناقضات بين مختلف القوى والكتل الحزبية، التي تنتفي بينها المعايير الطبقية الاجتماعية، وتتمظهر على السطح الحسابات الحزبية الضيقة، وقبلها المصالح الشخصية، التي باتت تقرر مصير الدولة برمتها نتاج الفساد، والتراجع في مركبات البناء الفوقي بسبب تسيد الخطاب الشعبوي، والغوغائية، وتضخم "الأنا" على حساب الدولة والمشروع الصهيوني الاستعماري.
هذا الاستخلاص الناجم عن عدم التحرك قيد أنملة بين مركبات الإئتلافين الرئيسيين: كتلة اليمين بزعامة بنيامين نتنياهو، وكتلة يمين الوسط بزعامة بيني غانتس، وتخندق حزب "إسرائيل بيتنا" في موقعه، وتمسكه برفض المشاركة في حكومة مدعومة من قبل القائمة المشتركة، وفي ذات الوقت، رفضه التعاون مع كتلته الأصلية، اليمين بسبب وجود نتنياهو على رأسها، وأضيف مؤخرا سبب آخر، هو التنافس والتناقض مع نفتالي بينت، وانتقال التناقض إلى الدائرة الشخصية. كما أن زعيم تكتل "كاحول لافان" انساق في ذات المتاهة، وأعلن أكثر من مرة رفضه التعاون مع ممثلي القائمة المشتركة، وذلك بهدف كسب أصوات اليمين واليمين المتطرف، أو على أقل التقديرات إبعاد "شبهة" التعاون مع القائمة الفلسطينية الإسرائيلية، التي لم يتوانَ زعيم الليكود من إثارتها في كل منبر يصعد عليه، وبات التحريض على الفلسطينيين العرب لازمة ثابتة في خطاباته التحريضية العنصرية ضد الجماهير الفلسطينية في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل، وهو ما يعزز مكانة المشتركة في اوساط الجماهير الفلسطينية، ويستفز مشاعرهم، ويستنهض نوابض هويتهم الوطنية.
هذا المشهد لو توقفنا أمامه قليلا، يوصلنا إلى استنتاج ووفق استطلاعات الرأي الإسرائيلية الأخيرة، أن إمكانية تشكيل حكومة جديدة في اعقاب انتخابات الكنيست الـ23 في الثاني من آذار/ مارس المقبل، أي بعد أسبوع من الآن شبه مستحيل، ولا اقول مستحيلا، لأن إمكانية حدوث مفآجات في اللحظة الأخيرة، هو إمكانية واردة. مع ذلك، التحليل العلمي والواقعي حتى اللحظة المعاشة، تشير إلى صعوبة إحداث اختراق، لأن أيا من قوى اليمين المتطرف يرفض المشاركة في حكومة برئاسة زعيم "أزرق ابيض"، وأيضا القوى المحسوبة على يمين الوسط، وما يدعى باليسار ميرتس وحزب العمل والقوى المتعاونة معها لا تقبل التعاون مع اليمين بزعامة نتنياهو. وبالتالي النتيجة المنطقية سيكون التوجه لانتخابات برلمانية رابعة.
لكن من الممكن إحداث نقلة نوعية في المشهد الإسرائيلي، وإرغام كتلتيه اليمين ويمين الوسط ومعهم افيغدور ليبرمان وحزبه على التسليم بالتعاون مع القائمة المشتركة في حال تجاوز عدد مقاعدها في الكنيست القادم الـ15 مقعدا. عندئذ لن تستطع أي من القوى الصهيونية مواصلة سياسة التهويش والتحريض العنصرية بالشاكلة القائمة، وسيراجع بعضهم خياراته النفعية ليضمن تشكيل الحكومة مدعوما من النواب الفلسطينيين العرب.
وبالمناسبة لو كان نتنياهو في موقع غانتس المبتدئ في عالم السياسة، لما تردد في توقيع اتفاق مع القائمة المشتركة، ولأوجد لها ألف تبرير وتبرير لتسويقها. ولكن زعيم "أزرق أبيض" إضافة لكونه مبتدئا، فهو ضعيف، وتركيبته الائتلافية مشوهة، ويخشى منها أكثر مما يخشاه من ليبرمان. مع أن بعض رموزها الأكثر يمينية حاولت مد الجسور مع القيادة الفلسطينية، غير أن الأمور على ما يبدو لم تصل إلى ما تطمح تلك القيادات.
في مطلق الأحوال الساحة السياسية والحزبية الإسرائيلية والاقتصادية تعيش أزمة عميقة، يقف وراءها شخص نتنياهو، الذي يصر على مواصلة التربع على كرسي الحكم، أو فلتخرب الدنيا. قادم الأيام يحمل بالضرورة الجواب على كل الاجتهادات.
[email protected]

anw
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024