الرئيسة/  مقالات وتحليلات

الخط الفاصل ما بين جريمة الفساد والإفساد

نشر بتاريخ: 2020-02-23 الساعة: 09:18

 موفق مطر فجأة.. وكأن واحداً بعينه قد أصدر تعميما، لإغراق منصات التواصل الاجتماعي بمنشورات عن الفساد، لكنها حسب المضمون والشكل واللغة الذي نشرت به لا تستحق أكثر من سمة الطلاسم.
لم يجد هؤلاء في موقف الرئيس أبو مازن والقيادة والحكومة من خطة ترامب الاستعمارية (صفقة القرن) أي ثغرة ينفذون منها، فراحوا باتجاه سياسة تدمير السد لإغراق وجرف كل ما تم غرسه في الأرض وما تم بناؤه عليها.
لسنا معصومين، وكل سلطة في العالم مهما بلغت نقاوة وطهارة ورشد حكمها، لن تسلم من الفساد حتى لو كان قياسا إلى ما هو موجود في سلطات أخرى يكاد لا يصل إلى عشر الواحد من المليون مقارنة مع دول وحكومات ومنظمات وهيئات يكاد الفساد أن يكون رمزا كالعلم.
سمع وشاهد "محاربو الفساد الفيسبوكيون" الرئيس أبو مازن أكثر من مرة وهو يدعو كل من لديه ملف فساد مسنود بأدلة ووثائق التقدم به إلى هيئة مكافحة الفساد، كما سمعوه وهو يقول: "مني وجر" وأجزم أن مصداقية الرئيس لم تترك لهم فرصة للتردد والخوف، خاصة بعد دعوته لتشكيل لجنة أممية للتحقيق في الادعاءات حول الفساد بدولة فلسطين خلال خطابه الأخير في مجلس الأمن الدولي قبل أيام، علاوة على معرفتهم بمكان ومقر هيئة مكافحة الفساد، وعلمهم بأن لدى دولة فلسطين محكمة مختصة بالنظر في جرائم الفساد تشكلت بقرار من مجلس القضاء الأعلى بناءً على طلب الرئيس وتنظر في دعاوى الفساد أينما وقعت، ومن يريد الاطلاع أكثر فليس عليه إلا قراءة نص القرار بقانون رقم 37 لسنة 2018 بشأن تعديل قانون مكافحة الفساد رقم (1) لسنة 2005م.
حدد هذا القرار بقانون جرائم الفساد وهي: الرشوة، الاختلاس، التزوير والتزييف، استثمار الوظيفة، إساءة الائتمان، التهاون في القيام بواجبات الوظيفة، وهذه جميعها يعاقب عليها الفاسد حسب المنصوص عليها في قوانين العقوبات السارية، أما غسل الأموال الناتجة عن جرائم الفساد المنصوص عليها في قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الساري، كما يعتبر الكسب غير المشروع والمتاجرة بالنفوذ، وإساءة استعمال السلطة وقبول الواسطة والمحسوبية والمحاباة التي تلغي حقاً أو تحق باطلاً وعدم الإعلان أو الإفصاح عن استثمارات أو ممتلكات أو منافع تؤدي إلى تضارب في المصالح إذا كانت القوانين والأنظمة تستوجب ذلك، ويكون من شأنها تحقيق منفعة شخصية مباشرة أو غير مباشرة للممتنع عن إعلانها وكذلك إعاقة سير العدالة.
وقد وضع القانون تعريفات محددة واضحة لكل جريمة وبإمكان أي مهتم بالتفاصيل الاطلاع عليها في نصوص هذا القرار الذي جاء في المادة 16 منه تعديل للمادة 18 من القانون الأصلي على النحو التالي:
1. "على كل من يملك معلومات جدية أو وثائق بشأن جريمة فساد مرتكبة من أحد الخاضعين لأحكام هذا القرار بقانون، أن يقدمها إلى الهيئة أو أن يتقدم بشكوى مكتوبة ضد مرتكبها".
2. تتولى الهيئة توفير الحماية القانونية والوظيفية والشخصية اللازمة للمبلغين، والشهود، والمخبرين، والخبراء، وأقاربهم، والأشخاص وثيقي الصلة بهم، في دعاوى الفساد، من أي اعتداء أو انتقام أو ترهيب محتمل من خلال الآتي:
أ. توفير الحماية لهم في أماكن إقامتهم.
ب. عدم الإفصاح عن المعلومات المتعلقة بهويتهم، وأماكن وجودهم.
ج. الإدلاء بأقوالهم وشهاداتهم من خلال استخدام تقنيات الاتصال الحديثة، وبما يكفل سلامتهم.
د. حمايتهم في أماكن عملهم، وتحصينهم من أي تمييز أو سوء معاملة أو أي إجراء تعسفي، أو قرار إداري يغير من المركز القانوني أو الإداري لهم أو ينتقص من حقوقهم بسبب شهاداتهم أو إبلاغهم أو ما قاموا به من أعمال لكشف جرائم الفساد.
ه. توفير أماكن لإيوائهم عند الضرورة.
و. اتخاذ أي إجراء أو القيام بأي عمل ضروري يضمن سلامتهم.
3. يتم البت بطلبات توفير الحماية من الهيئة وفقاً لما تفرضه الظروف المحيطة بطالبي الحماية، على أن يتم رفع الحماية عنهم حال زوال الظروف التي أدت إلى فرضها.
أما البند (6) فنصه التالي: تسقط الحماية الممنوحة بقرار الهيئة في حال مخالفة شروط منحها"، علما أن القانون يعتبر الإجراءات المتخذة للبحث والتحري وفحص الشكاوى والبلاغات المقدمة بشأن الفساد من الاسرار التي لا يجوز إفشاؤها إلا بقرار من المحكمة". وأن "الدعاوى والعقوبات المتعلقة بجرائم الفساد لا تسقط بالتقادم، وكذلك دعاوى الاسترداد والتعويض المتعلقة بها".
نعتقد أن مهمة القضاء على الفساد مسؤولية أخلاقية ووطنية وموازية لمعركتنا المصيرية مع الاحتلال والاستيطان الاسرائيلي، لا تحتاج لجرأة وشجاعة وحسب، بل لمقومات إثبات الجريمة، ودون ذلك فإن أجبن أو أسوأ وأفسد شخص في المجتمع بإمكانه الانضمام إلى جوقة المغردين والناشرين الفيسبوكيين والتمظهر بصورة البطل الحريص على مصلحة البلد.
العارف بجريمة فساد وساكت عنها وواضع اليد على جريمة فساد وهو على يقين أنها جريمة فساد ولا يبلغ عنها للهيئة فهو شريك، وليس معذورا إن خضع للخوف، ومثله شريك في الجريمة أيضا من نراه يبث إشاعات واتهامات مبهمة عن فساد بالجملة في مؤسسات السلطة والحكومة وليس في حوزته أي دليل.. فهذا يجب محاكمته بتهمة افساد المجتمع، ومعاقبته وفق القوانين السارية المفعول.
تتساوى جريمة قذف مواطن بتهمة الخيانة، مع جريمة قذف مواطن بالفساد وكلاهما من أشد الأمراض التي إذا حلت بالمجتمع وأصبحت ظاهرة طبيعية، فإنها ستتحول إلى وباء يفتك بالجميع دون استثناء، المروج للاتهامات اللامسنودة قبل الفاسد فعلا حيث لا ينفعه تخفيه ولا تحميه قوة مهما عظمت... فالخط الفاصل بين الفساد والإفساد رفيع جدا وشفاف يكاد لا يرى إلا بالتركيز والتكبير، وقد يكون المفسد كالفاسد لولا علمنا أن نسبة من عامة الناس يقولون ويرددون مالا يعلمون، لكنا نقصد بالمفسدين الفاسدين أولئك الذين يعلمون ويدركون أن ما يفعلونه جريمة عظمى، لأنهم يقصدون تحطيم مشروع وطني وليس محاسبة واحد فاسد بعينه، ولو كانوا صادقين لحملوا ملفاتهم إن كان لديهم ملفات، وكافحوا حتى تنصب هيئة مكافحة الفساد محكمتها لمحاكمة المجرم الفاسد.

anw
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024