لعبة المتاهات
نشر بتاريخ: 2020-02-23 الساعة: 09:17 حنان باكير لعبة المتاهات تستهوي الغرب بامتياز، ويتقن صناعتها بمهارة فائقة. ولكل عصر، لعبته المفصلة على قياسه. وما تنامي ظاهرة النازيين الجدد، التي يتم تخفيف تسميتها، باليمين المتطرف، رغم أن أصحابها لا تحرجهم تلك التسمية القاسية، وارتباطها بمرحلة مظلمة في تاريخ أوروبا، التي خالت إلى حين، أنها نجحت في بناء مجتمعات مدنية وديمقراطية.
الجريمة المزدوجة، التي ارتكبها بعض المتطرفين في ألمانيا مؤخرا، وفي لندن، تعكس وضع ما ستؤول اليه الحالة في أوروبا، جرّاء هذا الطوفان الهائل من المهاجرين.
ففي ألمانيا، ومنذ أوائل الألفية الثانية، تم تداول نكتة تقول: ما الفرق بين اليهودي والتركي؟ والمقصود بالتركي المسلم. والإجابة: الأول نال جزاءه، وحان دور الثاني! لم تكن حينها قد برزت ظاهرة الإسلاموفوبيا، أو على الأقل لم تطف على السطح بعد.
الملاحظ في تلك الجرائم، التي تستهدف المهاجرين أو غير المهاجرين، يطلق عليها مصطلح جريمة، إذا كان مرتكبها غربيا، وغالبا ما ينسب إليه الاختلال العقلي أو النفسي.. وإذا ما كان المرتكب مهاجرا فهو إرهاب، وتعلو وتيرة استغلال وسائل الإعلام للحديث عن الإرهاب ولصقه بدين وثقافة المجتمعات المهاجرة. وهذا لا يعني أن مجتمع المهاجرين، لا يتحمل مسؤولية ما، في جانب ما.
لا شك أن الخشية من تغيير هوية أي مجتمع، من حيث السائد من العادات والتقاليد، وظهور بون شاسع بين أفراده، من حيث المظهر والملبس، تبقى أمرا شائعا وطبيعيا لدى المجتمعات كافة، وليست حكرا على المجتمعات الغربية، التي بات بعضها يخشى على هويته، وثقافته وحتى لونه.
لا ندري إن كان البسطاء من الأوروبيين، يعون مسؤولية أنظمتهم عن تلك الحروب التي تجتاح أوطانا عدة، وتتسبب في تهجير سكانها، ومن يرغب مغادرة موطنه، طائعا وراضيا، لولا مآسي تلك الحروب، التي فاقت كل احتمال، وفاقت كل تصور في وحشيتها وقسوتها.
يدرك المهاجرون/ المغامرون في رحلاتهم السندبادية، أنهم يفرون من جحيم الحرق بالمتفجرات إلى الموت غرقا في البحار، مع احتمال الوصول إلى مكان يُمسّد أوجاعهم. ويكون الأجدر بهؤلاء المتطرفين، الاعتراض والانتفاض، على مواقف أنظمتهم، التي تساهم في اتخاذ قرارات الحروب والاحتلالات وتجويع الشعوب، بعد سلب خيراتها وثرواتها، وتربية عملاء لها في تلك الدول، تلعب دورا قذرا في تدمير أوطانهم.. وربما سمعوا، أو قرأوا، وأقصد المتطرفين، في كتب تاريخهم، أن أسلافهم أيضا فروا من الحروب، وصاروا لاجئين ذات زمن مضى.
تُفتح أبواب اللجوء، أمام الفارين من جحيم، صُنع في الغرب. وما يلبث أن يبدأ التذمر من وجودهم. وحين لا تتوفر لديهم فرص العمل الكافية، يبدأ التذمر من نظام الدعم الاجتماعي للمهاجرين.
ظاهرة بناء المساجد، بكثرة تفوق أعداد الكنائس، تثير إزعاج " الغيورين" على ثقافتهم، ولهم الحق في ذلك. لكنهم يتجاهلون فكرة أن دولهم هي من تمنح تراخيص الإنشاء، والدعم لبنائها. وتتعاطى السلطات مع الروابط الإسلامية، كمرجعية للأجانب، رغم أن عددا كبيرا منهم غير منتسب أو مسجل في الرابطة، في ما يلقى العلمانيون واللادينيون التهميش المطلق.
في مرحلة سابقة، سادت فزّاعة السامية واللاسامية في الغرب. والآن زمن سيادة مفهوم "الإرهاب"، الذي بقي عائما وغير محدد الملامح والحدود، ليفصل على قياس الجهة المراد تركيعها أو تدميرها.
والترياق لداء "الإرهاب" تملكه القوة الوحيدة المتمثلة بأميركا، التي شاهدنا رئيسها ببلاهة يقف واهبا أوطانا لا يملكها، لشعب آخر.. وفارضا عزلا عنصريا على الفلسطيني صاحب الأرض. وإذا ما اعترض صاحب الحق، فتهمة الإرهاب جاهزة، وعقابها بات معروفا.
وبالمقابل، فإن إزالة صبغة الإرهاب عن أشخاص أو احزاب أو دول، فالترياق أيضا بات معروفا.. على الخاطئ، التوجه إلى الحجّ عند نتنياهو.. والاعتراف بالخطيئة، وتلاوة صلاة فعل الندامة، وأخذ بركة المحتل. ثم التوجه إلى أميركا الترامبية، وتناول صك الغفران، الذي يمسح اسمه عن لائحة الإرهاب، وعفا الله عن ماضيهم المظلم، يوم كانوا يناصرون الكيان المغتصب العداء.
كيف يمكن للمتطرفين الغربيين، فهم هذه الديلمان أو المتاهة التي يمارسها الغرب بحق الشعوب الأخرى، وأنهم يتمتعون برخاء هو في جزء منه، على حساب تلك الشعوب المقهورة!