الرئيسة/  مقالات وتحليلات

بين التطبيع والمقاومة شعرة

نشر بتاريخ: 2020-02-17 الساعة: 09:06

عمر حلمي الغول كتبت أكثر من مرة عن كيفية فهم التطبيع مع دولة الاستعمار الإسرائيلية، وحرصت على تبيان الشعرة الفاصلة بين التطبيع والمقاومة. ومع ذلك هناك في الساحة الفلسطينية رؤى واجتهادات متباينة ومتعددة. وحق طبيعي احترام الرأي الآخر، وتفهم خلفيته الفكرية والسياسية. لا سيما وأننا مجتمع تعددي، وديمقراطي. ولكن لنميز بين من يجتهد وطنيا، ويدافع عن خياره، وبين من يتصيد، ويحاول تضخيم حدث، أو لقاء ما مع الإسرائيليين، ليلقي قذائف منظومته الفكرية والسياسية العدمية، والمتهافتة على الآخر الوطني.
ما أشرت له آنفا، له علاقة باللقاء الذي جمع بين ممثلي لجنة التواصل الوطني التابعة لمنظمة التحرير، وبرلمان السلام الإسرائيلي في تل أبيب يوم الجمعة الماضي، حيث قامت بعض القوى السياسية والمواقع الإعلامية بالإساءة للإخوة والأخوات، الذين شاركوا في اللقاء عن الجانب الفلسطيني، واتهموهم بنعوت وصفات "التخوين" و"التفريط" وأقلها "التطبيع"، وطالبوا بـ "محاكمتهم"، و"طردهم" و"قطع رواتبهم"، وهذا ناتج عن خلفيات فكرية وسياسية، وبعضها متعلق بنمطية التفكير السطحي والشعبوي السائد في الساحة الوطنية. بالإضافة للمتصيدين في المياه العكرة، وهم الفئة الأكثر بؤسا، وخطورة على المجتمع الفلسطيني.
وبودي مرة أخرى أن أدافع، ولا أقول هنا إنصاف فقط، مع أن الإنصاف بحد ذاته يعتبر دفاعا. ولكني أريد أن أدافع عن أولئك الذين شاركوا في اللقاء، أولا هم يمثلون الموقف المركزي الفلسطيني، ولم يذهبوا بقرار خاص من أنفسهم؛ ثانيا هم جزء من أدوات منظمة التحرير الفلسطينية الهادفة لاختراق المجتمع الإسرائيلي؛ ثالثا الكلمات، التي ألقوها في لقاء الجمعة كانت تعكس الموقف الرسمي الفلسطيني، وأعلنوا الرفض القاطع لصفقة القرن، ولقانون أساس "القومية للدولة اليهودية"، وأكدوا على الحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية؛ رابعا أيضا ما استمعوا إليه من مواقف ممثلي برلمان السلام الإسرائيلي، هي مواقف تستجيب لمصالح وحقوق الشعب الفلسطيني وهي مواقف تتناقض مع المواقف السياسية لإئتلاف اليمين المتطرف ولمواقف المعارضة الصهيونية (يمين الوسط)؛ رابعا ما تم لا يمت بصلة للتطبيع المجاني مع إسرائيل، ولا يجوز تحت أية اعتبارات، وصفه أو تصنيفه باعتباره تطبيعا. أنت كفلسطيني على مدار الساعة تتعامل مع ممثلي دولة الاستعمار الإسرائيلية بمختلف مسمياتها. ولكن اللقاء الذي تم، لا علاقة له بتلك المعاملات، لأن المشاركين في اللقاء كانوا يحملون راية المقاومة للمواقف الاستعمارية الإسرائيلية، ويعملون بجد ومثابرة لتوسيع دائرة الاختراق لجدار العدمية الصهيوني، لأن القطاع الأوسع من المجتمع الإسرائيلي لا يسمع إلا المواقف الكاذبة والمزورة، مواقف اليمين المتطرف، الذي بات يشكل خطرا على اليهود والفلسطينيين على حد سواء، ويستهدف جر الجميع إلى متاهة محرقة (هولوكست) جديدة.
التطبيع هو أن تتساوق وتروج للبضاعة والمواقف الإسرائيلية الاستعمارية، كما يفعل بعض عملاء إسرائيل من الفلسطينيين والعرب، أو أن تصمت، أو تشارك في لقاء تآمري على القضية ومصالح وحقوق الشعب الفلسطيني، أو أن توقع اتفاقيات مجانية بذريعة حماية النظام السياسي هنا أو هناك، وتقبل الإملاءات الإسرائيلية الأميركية، وتتخلى عن مبادرة السلام العربية، ومرجعيات عملية السلام، وقرارات الشرعية الدولية، وتقلب المعادلات السياسية في الإقليم لصالح دولة إسرائيل. هذا هو التطبيع الخياني، والمجنون، والمرفوض، والذي يفترض أن يخضع للمحاكمة، والتشهير.
ولكن أولئك المقاتلين الأبطال من أجل الدفاع عن خيار السلام، وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، وتقرير المصير للشعب الفلسطيني وضمان حق عودة اللاجئين على أساس القرار الدولي 194 ومبادرة السلام العربية، يجب أن ترفع لهم القبعات، لأنهم لم يتخلوا عن خيار ونضال وأهداف شعبهم، بل ذهبوا وهم يحملون الراية دون وجل، أو تردد، أو تعلثم، وبشموخ رواد السلام الممكن والمقبول، والمتفق عليه بين الكل الوطني. وعليه على الذين اتهموا المشاركين في لقاء الجمعة، أن يعتذروا عن خطيئتهم، ويراجعوا أنفسهم، ويعودوا لرشدهم، ويدعموا كفاح لجنة التواصل الشجاع.

anw

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024