رسائل لقاء أولمرت
نشر بتاريخ: 2020-02-16 الساعة: 08:45عمر حلمي الغول تفاوتت ردود الفعل الفلسطينية على لقاء الرئيس محمود عباس مع إيهود اولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق في نيويورك يوم الثلاثاء الماضي الموافق 11/2/2020 بعد إلقاء الخطاب في مجلس الأمن، ثم عقدهما مؤتمرا صحفيا مشتركا. بعض الردود جاءت متشنجة وشعبوية، وبعضها مستاء او متحفظا، والبعض الآخر جاء مرحبا ومؤيدا وداعما للفكرة.
وإذا دققنا النظر في رسائل وهدف اللقاء بين الرئيس أبو مازن وأولمرت، يمكننا ان نسجل الآتي: اولا- رفض صفقة ترامب المشؤومة، والتأكيد على انها ليست ذات صلة بصناعة السلام المرتكز على قرارات الشرعية الدولية، ومرجعيات عملية السلام. وما حديث رئيس الوزراء الأسبق عن بعض الإيجابيات في الصفقة، إلآ لذر الرماد في عيون الإدارة الأميركية. ثانيا- عقد اللقاء والمؤتمر في الولايات المتحدة، وبعد جلسة مجلس الأمن لها دلالة سياسية مهمة جدا، حيث حملت ردا مباشرا على المندوبة الأميركية، وسفير دولة الاستعمار الإسرائيلي، دانون. وأكد للمندوبين والعالم، أن هناك شريكا إسرائيليا هو أولمرت يمكن صناعة السلام الممكن والمقبول معه، والعكس صحيح، حيث اكد اولمرت، ان الرئيس عباس، هو الشريك الفلسطيني القادر على صناعة السلام على اساس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967. ثالثا- كما واكد اللقاء على ان اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو، ليس مؤهلا، ولا مستعدا لصناعة السلام، بل العكس صحيح، انه عامل هدم وتدمير لخيار السلام. رابعا- كي وعي الإدارة الأميركية ذاتها، من خلال التأكيد بان النخب السياسية والعسكرية الإسرائيلية ليست لونا واحدا، بل منقسمة، وبعضها لا يتبنى خيار الصفقة، ليس هذا فحسب، بل هناك فريق اساسي داخل المجتمع الإسرائيلي يرفضها، لانها تشكل خطرا على الشعبين، وعلى عملية السلام. خامسا- التأكيد على ان رئيس منظمة التحرير ورئيس وزراء اسرائيل الأسبق كادا أن يبرما اتفاق سلام قبيل اعتقال الأخير، وتوجيه تهم فساد له. سادسا- التمسك بقرارات الشرعية الدولية ومرجعيات عملية السلام بما في ذلك مبادرة السلام العربية كأساس لإبرام اتفاق السلام بين الطرفين.
ومن تابع ردود الفعل الإسرائيلية المجنونة من نتنياهو حتى آخر زمر اليمين المتطرف ومن لف لفهم، لاحظ الضربة الموجعة، التي وجهها اولمرت لهم، وكشفه زيف ادعائهم وكذبهم بتمثيل الرأي العام الإسرائيلي. وبالتالي اللقاء والمؤتمر الصحفي كان بالمعايير السياسية الوطنية إيجابيا، ويصب في مصلحة الموقف الفلسطيني الرافض لصفقة العار والجريمة، والمتمسك بخيار السلام المقبول والممكن، والمستند لقرارات الشرعية الدولية ولنواظم الإدارات الأميركية السابقة على إدارة ترامب الأفنجليكانية.
والملفت للنظر أن بعض ردود الفعل السطحية والساذجة، اعتبرت ان اللقاء مع اولمرت مرفوض، لانه قاتل، ويديه مطلخة بدماء الفلسطينيين. والسؤال لاصحاب هذا الفريق، من من الإسرائيليين ليست يداه ملطخة بدماء ابناء الشعب الفلسطيني؟ وهل تتفاوض القيادة الفلسطينية مع قائد إسرائيلي لم تتلطخ يديه بدماء الشعب؟ ومن من القيادة الإسرائيلية منذ اول رئيس حكومة (بن غوريون) في 1948 حتى الآن لم يرتكب جرائم بحق الفلسطينيين؟ وهل من الممكن وجود إسرائيلي صهيوني نظيف اليد، ولم يتورط بالقتل؟ أوليس بناء السلام يتم بين الأعداء، بين الظالم والمظلوم؟ وهل هناك معادلة سياسية فلسطينية وعربية ودولية خلال ال72 عاما الماضية تملك تغيير قواعد اللعبة السياسية؟
من يعود لتاريخ الصراعات منذ بدء الخليقة حتى يوم الدنيا هذا، يلاحظ ان السلام قام بين الأعداء، ولا يمكن لطرف أن يحدد ممثل الطرف الآخر في بناء السلام، إلآ إذا كان مستعمرا كاليمين الصهيوني المتطرف، الذي يرفض التفاوض مع الممثل الحقيقي للشعب الفلسطيني، ويبحث عن أمثال سعد حداد وانطوان لحد اللبنانيين، اي يريد عميلا مأجورا، وهذه البضاعة الفاسدة لن يسمح لها الشعب بالوجود لتمثيله. لكن العدو الراغب بالسلام الحقيقي والمقبول، لا يسعى لاستبدال ممثلي الطرف المعادي، لانه يريد ان يبني السلام مع الطرف، الذي واجهه، وخاض ويخوض الصراع ضده.
وعليه، قبل ان تنبروا بالردح والهجوم على الرئيس عباس، دققوا في الرسائل، التي حملها اللقاء والمؤتمر. وشكرا لمن ساهم في ترتيب اللقاء، وحدد اللحظة السياسية لعقده.
[email protected]