أزمة المشروع القومي
نشر بتاريخ: 2020-02-12 الساعة: 08:01عمر حلمي الغول من المؤكد ان العامل الموضوعي ( الغرب الرأسمالي وإسرائيل وأهل النظام الرسمي العربي بتفاوت) لعب دورا هاما في إضعاف المشروع القومي العربي، وأسهم بشكل مباشر في تفكيك بنيته. كما إن هزيمة حركة التحرر الوطني العالمية في نهاية الثمانينات من القرن الماضي عزز وعمق الأزمة البنيوية في اوساط النخب وقوى التغييرالسياسية. غير ان الموضوعية تحتم التوقف جيدا أمام العامل الذاتي، الحامل للمشروع العربي، الذي يتحمل مسؤولية أساسية في السقوط المروع، والغياب شبه الكامل عن المشهد، والإندماج حتى التماهي مع أهل النظام الرسمي العربي.
ودون الدخول في التفاصيل والخلفيات الفكرية والنظرية لإسباب تتعلق بحجم ومساحة الزاوية، ووظيفتها ومحتواها. وعليه ساتجه فورا لتحديد الأسباب، التي اراها من وجهة نظري الشخصية في ما آل إليه المشروع القومي، ومنها: اولا برزت أنوية في نهايات القرن التاسع عشر، ومطلع القرن العشرين حملت راية المشروع القومي العربي التنويري. لكنها كانت متناثرة في ارجاء الوطن العربي، وضعيفة، وليست موحدة فكريا، ولا حتى متفقة على كيفية التأصيل للمشروع؛ ثانيا إتسمت طبيعة المجتمع العربي في مختلف الأقطار العربية بالبداوة عموما، وإتساع رقعة الأمية في اوساط الجماهير العربية؛ ثالثا عدم نضوج وتطور المجتمعات العربية إقتصاديا، مما وسمها بالطابع الإقطاعي القبلي والربوي، وحتى في المجتمعات الأكثر تطورا نسبيا كمصر نموذجا، كان هناك تشوها بين البنائين الفوقي والتحتي، وبين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج. حيث لم ترق علاقات الإنتاج المشوهة بالأنماط الإقتصادية الإجتماعية لمستوى تطور قوى الإنتاج؛ رابعا رغم تطور العديد من الدول العربية في نهاية الأربعينيات، ومطلع الخمسينيات من القرن الماضي من خلال الثورات، التي قامت بها النخب العسكرية والمدنية، ورغم رفع شعارات القومية العربية، والدعوة للوحدة العربية، والتحرير من الإستعمار والتبعية للإستعمارين القديم والجديد، وتطبيق الإصلاح الزراعي، وتعميم العلم، والدعوة لإزالة الأمية، ومساندة الثورات الشقيقة في فلسطين والجزائر واليمن ... إلخ إلآ ان تلك النخب الحاملة للمشروع القومي العربي، لم تكن مؤهلة لقيادته لا من الزاوية الفكرية، ولا من حيث قدرتها على تأطير القوى القومية في النطاقين الوطني والقومي، وعدم تمثلها الديمقراطية الحقيقية، لا بل إنتفاءها من المشهد، وإعتماد منطق الحزب الواحد، الذي لا يرتكز على قواعد بناء تنظيمية حقيقية، وإن وجدت تلك القواعد، إنتفت الحياة الديمقراطية الداخلية، وسادت الحرب بين التيارات والأجنحة داخل الأحزاب والقوى. وتم إستغلال الصراع مع إسرائيل والإستعمار الفرنسي والبريطاني لفرض قانون الطوارىء، وجنوح الأنظمة نحو الإستبداد والديكتاتورية والعسكريتاريا؛ خامسا وعلى صعيد الأنظمة الأثنوقراطية فحدث ولا حرج من التخلف، وغياب الدساتير والقانون، وإن وجد بعضها، كانت ذات طبيعة شكلانية، وبما يخدم مصالح ومكانة الحاكم، وإرتكزت على قاعدتها القبلية والعشائرية بمنظوماتها البائدة، ولم تقبل القسمة على الديمقراطية بأي شكل من الأشكال، وتم حرمان المرأة من ابسط حقوقها الإجتماعية والسياسية والقانونية والإقتصادية، وحتى عندما تم إكتشاف النفط والبترول لم تجِرِ الإستفادة منه لصالح المجتمعات، بل العكس صحيح. فضلا عن نسجها تحالفات مع القوى، التي مزقت وحدة الوطن العربي، وإرتهنت لمشيئتها في مختلف الحقول، وكانت تقف بالمرصاد للأنظمة الوطنية والقومية، وحالت بالعصا والسيف في تاسيس الأحزاب والنقابات، وحتى منعت بناء المتاحف ودور السينما والمراكز الثقافية؛ سادسا تضخم النزعة الإنتهازية في صفوف الأحزاب والقوى القومية والديمقراطية، وتعمقت الصراعات الداخلية بين تياراتها وأجنحتها بطريقة غير ديمقراطية، ولجأت غالبية الأحزاب لتصفيات جسدية ضد معارضيها، وخاصة في الأحزاب الحاكمة؛ سابعا دفعت الأنظمة السياسية في صعود التيارات الدينية في اواسط السبعينيات بهدف إستغلالها للإنقضاض على الأحزاب الوطنية والقومية واليسارية، ولتصفية الحساب فيما بينها، وفي ذات الوقت حماية رأس النظام من مجموع القوى؛ ثامنا لم ترق قوة حزبية أو سياسية بالمعنى الحقيقي لحمل راية المشروع القومي النهضوي. وهذا لا يبخس حق الشخصيات القومية التاريخية حقها، ومن ابرزها الرئيس الخالد جمال عبد الناصر، كونها حاولت تحقيق قفزة في المسألة القومية، لكنها فشلت، لإن حوامل تلك الشخصيات كانت ضعيفة، ومفككة، ولم ترق لتمثل الرؤية المنهجية....إلخ
الموضوع طويل وعميق، ويحتاج إلى إغناء، ولكن حاولت قدر المستطاع تسليط الضوء على ما إعتقدته اساسيا في الأزمة البنيوية للمشروع القومي النهضوي العربي.
anw