بدعة الإرهاب الدبلوماسي
نشر بتاريخ: 2020-02-03 الساعة: 10:14عمر حلمي الغول من المؤكد ان اللغات البشرية تتطور بشكل دائم، وتستقبل المفردات والمفاهيم الجديدة، والمتداولة بين شعوب الأرض. ولكن هناك مفاهيم يجري زجها، وحشرها حشرا في منظومة اللسانيات، مع انها لا تستقيم مع المركب، الذي ألصقت به، كمفهوم "الإرهاب الدبلوماسي"، فالدبلوماسية والإرهاب نقيضان لا يلتقيان. يمكن الحديث عن الإرهاب الفكري، وتكميم الأفواه. لأن هناك مدارس فكرية تزرع في وعي الجماهير أفكارا سوداء وتخريبية، كما الحركة الصهيونية والجماعات التكفيرية، والفاشية والنازية ... إلخ. ولكن لا يمكن المزج والجمع بين الإرهاب والعمل الدبلوماسي. لكن قادة إسرائيليين أصروا على لصق تهمة "الإرهاب البلوماسي" على شخص الرئيس محمود عباس. وإن لم تخني الذاكرة، فإن اول من استخدم المفهوم، هو أفيغدور ليبرمان، عام 2012 عندما كان وزيرا للخارجية، حتى انه ارسل رسالة لممثلي اللجنة الرباعية الدولية، اتهم فيها الرئيس عباس بذلك.
وعاد مسؤول إسرائيلي (رفض الكشف عن اسمه خشية الانتقادات) في 3/10/2016 في لقاء مع صحيفة "معاريف"، اتهم فيها الرئيس الفلسطيني بأنه "إرهابي دبلوماسي"، وقال "عباس رجل صعب للغاية وعنيد، استطاع ان يهزم كل العقول والأدمغة المفكرة في إسرائيل، وأصبح يشكل خطرا وإرهابا دبلوماسيا علينا جميعا." وأضاف "استطعنا ان نتغلب على كل الزعماء العرب فأجبرناهم على عقد اتفاقيات للحفاظ على حدود آمنة لدولة إسرائيل، وعدم التعرض لأمنها في المستقبل." وتابع :" هُزمنا أمام عباس، رغم كل ما تعرض له من ضغوطات، ومن فرض عقوبات على سلطته، إلا انه كلما زادت حدة ضغوطاتنا عليه، زاد شراسة دبلوماسية، وإرهابا دبلوماسيا. هدد علاقاتنا بشكل مباشر مع الدول الصديقة من خلال إرهابه الدبلوماسي المنظم."
وفي نهاية 2019 استخدم داني دانون، سفير إسرائيل السابق في الأمم المتحدة، وصف الرئيس ابو مازن بممارسة "الإرهاب الدبلوماسي" عندما ذهب إلى محكمة الجنائية الدولية لفتح تحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية ضد ابناء الشعب العربي الفلسطيني. وغيرهم استخدم ذات المفهوم بطريقة مشوهة، مع ان الغالبية ممن استخدموا المفهوم، هم دبلوماسيون، ويدركون أن الدبلوماسية لغة الحوار والشفافية والتعبير عن القضايا السياسية بطريقة لبقة، وغير عدائية، ويحاول السفير او الموفد إيصال رسالة قيادته وشعبه للدول الصديقة والمحايدة والمعادية بما يخدم مصالحه، ولكن بشكل واضح ودون استفزاز، أو عدوانية. فقط يمكن للدول الخارجة عن القانون، كما إسرائيل، او الدول العظمى، ان تستخدم لغة غير دبلوماسية امام زعماء الدول المختلفة، وتوجيه التهديد المباشر. لكن هذا السلوك لا يمت بصلة للدبلوماسية.
وبالعودة للرئيس عباس، هل استخدم يوما خطابا غير خطاب السلام؟ هل دعا للعنف والقتل والإرهاب، كما يفعل قادة إسرائيل وأميركا؟ وهل يعتبر الدفاع عن الحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية إرهابا؟ وهل المطلوب منه ان يهبط بحقوق شعبه إلى ما تسعى إليه دولة التطهير العرقي الإسرائيلية؟ هل مطلوب من رئيس منظمة التحرير، ان يحول نفسه ومؤسسات المنظمة والسلطة إلى اداة أمنية بيد إسرائيل؟ وهل المطلوب من الحركة الوطنية الفلسطينية، التي تكافح منذ ما يزيد على القرن كي تحقق أهداف شعبها في الحرية والاستقلال وتقرير المصير والعودة، ان تكون بمثابة سعد حداد وأنطوان لحد؟
يتجاهل الإسرائيليون المستعمرون ومعهم إدارة ترامب، طبيعة وحقيقة وماهية الحركة الوطنية الفلسطينية. ويتناسون ان عباس رأس النضال الوطني، وخليفة الراحل الرمز ياسر عرفات، وحامل لواء التحرير، وليس أداة طيعة بيد إسرائيل ولا أميركا. وما يقوله ويعلنه لا يمت بصلة للإرهاب والعنف، بل يعتبر خليفة غاندي وكل انصار السلام والعدالة والحرية.
[email protected]
[email protected]