إعلان صفاقة القرن
نشر بتاريخ: 2020-02-02 الساعة: 09:42حنان باكير تُبنى أمم وتُباد أخرى، هكذا بجرّة قلم.. يُغيّب تاريخ، ويزوّر آخر، ويتم تلفيق تاريخ وهمي، وفق مطامع ومصالح القوي، ليشكل أكبر ملفقة تاريخية.. مشهد مسرحي سخيف، شهدناه، لحظة إعلان "صفاقة القرن"، كوميديا سوداء، تثير القهر والغضب والسخرية معا. تاجرا عقارات، وصفقات تجارية، وصالة مزاد علني.. والفاسدان اجتمعا، لإسدال الستار على الفصل الأخير، لأبشع جريمة تطهير عرقي في التاريخ. وطن يسرق بكامل أرضه وبحره وسمائه، من داخل قاعة وعلى رؤوس الأشهاد، وتجد من يصفق للصوص إعجابا. ترامب صاحب الخبرة، ظن أن بإمكانه استنساخ تجربة الهنود الحمر في فلسطين التاريخية.
المشهد المسرحي، أعاد الى ذاكرتي، يوم حدثني واصف كمال، عضو الوفد الفلسطيني، للأمم المتحدة، سنة 1947، في الجلسة المخصصة للتصويت على قرار تقسيم فلسطين. داخل قاعة فسيحة أيضا، وبجرة قلم قامت دولة "إسرائيل"، وجمعت أشتاتا من الأمم مختلفة الأعراق والألوان.. كان الموقف دقيقا وخطيرا، ولم يكن أمام الوفد الفلسطيني لكسب الأصوات، سوى الاتصال بوفود دول الكتلة الشرقية، ضمن منظومة الاتحاد السوفييتي، للتصويت لصالح رفض قرار التقسيم.. وهذا ما رفضه نوري السعيد، آنذاك بمقولة "لن نصبح شيوعيين من أجل فلسطين"! فشل الوفد الفلسطيني في إقناعه بأن المسألة ليست كذلك، وأن الدول تتعامل بالمصالح، ويمكنهم دعم مواقف الكتلة الشرقية، في قضاياها في الأمم المتحدة. كان رفض الكتلة الشرقية، بسبب أن الأنظمة العربية، لا تملك زمام أمورها!
وفي الجزء الثاني للتصفية النهائية، للوجود الفلسطيني، على أرض فلسطين، وداخل قاعة أيضا، وقف مفسدان، يتبادلان الهدايا والهبات، في مشهد تمثيلي سخيف، لا يستند لأي منطق، سوى منطق القوة.. ودون مشاركة الفلسطيني المتواجد على أرضه، منذ آلاف السنين، رغم عمليات القتل اليومي.. وسبق ذلك، توقيع ترامب، على كتاب الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة وأبدية لليهودي التائه، الذي سوف يبقى تائها، حتى يُخضع العالم العربي بأكمله..ترامب يهب القدس لمن صلبوا يسوع الناصري..
اليهودي التائه، ما زال تائها، في لعبة المتاهات، ليجد المبرر الأنسب لاغتصابه أرض فلسطين التاريخية، باعتراف الكتاب المقدس. كان المبرر الأول هو الوعد الألهي، بإعطائهم أرض الفلسطينيين. ومع الزمن لم تعد تلك الأساطير تناسب العقل والمنطق.. بحثوا عن مبررات أخرى، فكان المبرر الإضطهادي، وقد حفل الأدب الصهيوني، بفكرة ارتباط قيام "اسرائيل"، بالاضطهاد والمعاناة، وظاهرة اللاسامية في الغرب، والتي توّجت بالمحرقة، وكانت سببا كافيا لإقامة وطن قومي لهم. اختلف زعماء الحركة الصهيونية، في اختيار المكان.. لكنهم وجدوا في فلسطين دولة جاهزة بكل مقومات الدولة الحديثة آنذاك..
في مشروع "صفاقة القرن"، وبكل صفاقة، اختفت كل مبررات وجود الكيان العنصري. فقد ملكوا كل عناصر القوة.
في خطاب لنتنياهو، أعلنها صراحة "إن حق الشعب اليهودي في أن تكون له دولة في أرض "اسرائيل"، فلسطين لا ينبع من سلسلة الويلات التي ابتلي بها، وما تعرضوا له خلال ألفي عام لمعاناة فظيعة بلغت ذروتها في المحرقة النازية".. واعتبر قرار المحكمة الجنائية الدولية "مرسوم جديد ضد الشعب اليهودي.. مرسوم لا ساميّ يصدر عن محكمة الجنايات الدولية".