صفقة الحرب والتطهير
نشر بتاريخ: 2020-01-29 الساعة: 09:41عمر حلمي الغول في مسرحية هزلية تحدث الرئيس دونالد ترامب، مساء أمس، وإلى جانبه بنيامين نتنياهو وأمامه نخبة مارقة عن صفقة القرن، وأكد على المؤكد والمعروف. رغم أنه حاول الإيحاء بأنه "غيور" و"حريص" على السلام وعلى الشعب الفلسطيني، إلا انه نطق كفرا، وحربا، وأعطى صكا على ورقة بيضاء لغلاة المستعمرين، وائتلافهم اليميني المتطرف بزعامة رئيس الوزراء الإسرائيلي الفاسد لتنفيذ عملية تطهير عرقي ضد ابناء الشعب الفلسطيني. لم يأت الرئيس الأميركي بأي جديد، وغير معروف للشعب والقيادة الفلسطينية، فأكد على سيادة إسرائيل على القدس العاصمة الفلسطينية، وأعلن ان القدس لن تقسم، واعتبرها "محررة"، وكأنها كانت واقعة تحت الاستعمار الفلسطيني!؟ هكذا دون أن ترف جفونه، قلب الأمور رأسا على عقب. ومنح السيطرة للإسرائيليين المستعمرين على الأغوار وشمال البحر الميت، والسيطرة على الحدود، وبقاء الاستيطان الاستعماري على أراضي دولة فلسطين المحتلة، ورفض عودة اللاجئين الفلسطينيين لمدنهم وقراهم، التي طردوا منها، وأعاد التأكيد على الحل الاقتصادي من خلال الرشوة التافهة والرخيصة، أي الـ50 مليار دولار أميركي، والتي لا تساوي واحدا في الألف من أملاك وحقوق وأراضي فلسطين المنكوبة في العام 1948. وأعتقد أن الرئيس الإفنجليكاني هدف إلى حرف بوصلة الصراع، من صراع سياسي إلى صراع ديني متعجلا بلوغ حرب يأجوج ومأجوج، وهو ما أكده زعيم الائتلاف الإسرائيلي الحاكم عندما أعطاه ترامب الفرصة للإدلاء برأيه وموقفه من الصفقة، فاعتبر الإعلان عنها أمس، بأنه "يوم تاريخي"، وأكد ان الضفة الفلسطينية، هي أرض "الآباء والأجداد" وما نصت عليه التوراة، وعليه فهو عمق البعد الديني في صفقة ترامب، وأراد كلاهما إعادة إنتاج الأساطير الكاذبة، التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
ولا أعتقد أني اضيف جديدا، إذا ما أكدت على أن الهدف الآن من المؤتمر كان سياسيا بامتياز لإنقاذ رقبة صديقه نتنياهو من الدخول للسجن، ومنحه جائزة ترضية جديدة للفوز بالانتخابات مطلع آذار/ مارس المقبل، وأيضا لكسب أصوات الأميركيين المضللين والواهمين بسياسات إدارته في حملة الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وأيضا للخروج من أزمة المحاكمة في مجلس الشيوخ لعزله. دون أن يلغي هذا الشرط الآني، أن الصفقة خيار استراتيجي لإدارة ترامب وللدولة العميقة في الولايات المتحدة، وهي جادة في مساعيها لتصفية القضية الفلسطينية بالشراكة مع دولة الاستعمار الإسرائيلية، وكل من يدور في فلكهم. وتهدف بشكل واضح وصريح لإشعال فتيل الحرب والإرهاب والعنف في الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية خصوصا والإقليم ككل، والقضاء على السلام كليا، وأيضا التمهيد الواضح لتقوم إسرائيل الخارجة على القانون بعملية الترانسفير ضد الفلسطينيين من كل فلسطين التاريخية، وليس فقط من الضفة الفلسطينية بذريعة، أن الفلسطينيين رفضوا الصفقة، وأخذوا قرارا بالدفاع عن مصيرهم ومستقبلهم، ومستقبل اطفالهم والأجيال القادمة، وعن السلام العادل والممكن والمقبول. وبالتالي الرد الإسرائيلي على ذلك سيكون باستخدام أولا أسلحة الموت، ومضاعفة عمليات القتل والاغتيال للقيادات والنخب الفلسطينية، والطرد والإبعاد والاعتقال للنشطاء منهم، وتدمير البيوت والقرى والمخيمات، وفتح بوابة نكبة جديدة ضد أبناء الشعب الفلسطيني من خلال الطرد الجماعي من المدن والقرى.
لكن ذك لن يمر، ولن يضعف من عزيمة وإرادة القيادة والشعب والنخب السياسية الفلسطينية، والتي، هي مطالبة الآن بالعمل الفوري لتكريس الوحدة الوطنية، وتشديد النضال الشعبي اليومي وفي كل الميادين والساحات والمنابر والمجالات، والاندفاع نحو الأشقاء العرب والأصدقاء في العالم عبر بوابتي النضال السياسي والدبلوماسي لتعزيز مكانة الدولة والحقوق الوطنية الفلسطينية. وتفعيل وتطوير دور ونشاط مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وتحمل مسؤولياتها كمرجعية أولى عن مصالح وحقوق الكل الفلسطيني في الوطن والشتات.
النتيجة مما أعلنه الرئيس ترامب، ومعه رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، انهما أسدلا الستار على اتفاقية أوسلو، وكل الاتفاقيات المبرمة بين منظمة التحرير ودولة الاستعمار الإسرائيلية. ولم يعد لها وجود، لأن صفقته طوت صفحتها كليا، ولم يعد لها مكان من الإعراب، وهذا له تبعاته ومتطلباته الوطنية والقومية والأممية. وهذا هو قرارهم هم، وليس قرار القيادة الفلسطينية، وبالتالي لم يعد الحديث ممكنا عن اتفاقية أوسلو، أو بروتوكول باريس أو واي ريفر أو اي اتفاقية. لكن ذلك لا يعني التنازل، أو التخلي عن السلطة الوطنية، بل العمل على نقلها إلى الدولة، وتطوير أدائها بما يستجيب لمصالح وحقوق الشعب الفلسطيني وصولا للدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حق العودة للأجئين على اساس القرار الدولي 194، والمساواة الكاملة لأبناء الشعب في مناطق الـ48.
المعركة مصيرية، والتحديات خطيرة، ومطلوب من الجميع شد الأحزمة على البطون، ووضع البرامج والترتيبات المناسبة للمرحلة القادمة، بما لها، وما عليها من أثمان، ويفترض أن يدرك ويلمس المستعمر الإسرائيلي ان الاحتلال له ثمن، وثمن غال حتى يعود إلى رشده، وتنتهي صفعة العصر، وتزول عن طاولة القيادة الأميركية والإسرائيلية وكل من يدور في فلكهم، لأنها صفقة العار والجريمة المنظمة، وصفقة الحرب على السلام والحقوق والمصالح الوطنية، وكذلك على حياة المجتمع الإسرائيلي نفسه.
[email protected]