الرئيسة/  مقالات وتحليلات

يعاكسون مجرى التاريخ

نشر بتاريخ: 2020-01-29 الساعة: 09:36

هلا سلامة لو كان المباع قطعة أرض صغيرة لاستوجب العقد حضور صاحبها أو وكيل عنه، ولكنها صفقة من الهبات غير المشروعة التي تنتهك الأوطان وبين فرقاء متفلتين من كل المعايير التي تفرضها القوانين والشرائع الدولية في ادارة وتنظيم المجتمع الدولي.
منذ اثنتين وسبعين سنة وأمام أعين العالم تجري محاولة تصفية حقوق الشعب الفلسطيني تدريجيا عبر سلسلة طويلة من جرائم القتل والهدم والترحيل وصولا الى ما نشهده اليوم من مشاريع الضم والتهويد الهادفة إلى فرض "الشرعية الاسرائيلية" عليها.
وإذ تبدو فلسطين الرهان في المعارك المصيرية التي يواجهها ترامب ونتنياهو، وعليه يعزل أو لا يعزل ترامب، ويفوز نتنياهو في الانتخابات الاسرائيلية أو لا يفوز ويحاكم في تهم الفساد أو لا يحاكم.
تتلاقى مصالح الرجلين فيجتمعان على قرارات أحادية يغيب عنها الفريق الفلسطيني الرافض لأي خطة غير عادلة تحمل عناوين السلام لكنها تفتقد لشروطه.
ولم يكن نقل السفارة الأميركية الى القدس المحتلة والاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل إلا إشارات أولية بالنسبة للفلسطينيين لخطة أعدتها ادارة ترامب تنوي من خلالها فرض الهيمنة و"السيادة" الكاملة لاسرائيل على ما تبقى من أراضيهم فقالوا لها (لا) قيادة وشعبا.
المسرحية الهزلية بشقها الاقتصادي في المنامة أفشلها الفلسطينيون بعدم حضورهم ورفضهم الكامل لها لتستكمل أمس في البيت الأبيض بشقها السياسي بحضور الفريق الاسرائيلي مع عدم تبدل الموقف الفلسطيني الذي دعا الى أوسع تحرك شعبي وسياسي في مواجهتها.
"صفقة القرن" التي تلبي الأطماع الاسرائيلية ليست التحدي الأول في معركة الفلسطينيين مع الكيان المحتل إنما تبدو الأخطر في تقويض عملية السلام الأخيرة التي من مرتكزاتها حل الدولتين على حدود 67 والاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للفلسطينيين وعودة اللاجئين الى أرضهم، لا شك ان اعلانها لا يحميها من السقوط أمام الارادة الفلسطينية الموحدة ان كان في الداخل أو الشتات.
وفي ترقب الشارع العربي لاعلان هذه الصفقة اعتبر الوزير اللبناني السابق بشارة مرهج ان الظروف الأميركية والاسرائيلية الذاتية هي من أملت هذه الصفقة فكلا الطرفين من مصلحته في هذه المرحلة الخروج من المأزق الداخلي الى عناوين كبرى كـ "صفقة القرن" من أجل الهروب من المشاكل الداخلية وتلبية المشاريع الصهيونية، ولكن هذه "الصفقة" ورغم القوة التي تتمتع بها كونها تستند الى مواقع الضعف العربية والتواطؤ الدولي تصطدم بحقيقة تاريخية وتعاكس مجرى التاريخ بالنسبة للشعوب التي تناضل من أجل استقلالها وخاصة الشعب الفلسطيني المصمم على الصمود بوجه الاملاءات الأميركية والاسرائيلية.
ان الشعب الفسطيني من عادته التمسك بقضيته وأرضه وقدسه عاصمة أبدية لفلسطين واليوم يتوحد بوجه تلك الاملاءات ولا أقول "الصفقة".
ويضيف مرهج: انها محطة في هذه المسيرة السياسية المعادية وأنا شهدت بأم العين كيف ان الشعب الفلسطيني بمواقعه القيادية والشعبية يوحد كلمته بوجه عدوه. بعض الدول تهاونت في مسؤولياتها وتعهداتها لكن ما دام الشعب الفلسطيني موحدا ومسنودا من الشعوب العربية لن تنجح "الصفقة" وستواجه بصمود شعبي وممانعة تشمل كل أقطار الأمة العربية والاسلامية.
وفي رأي النائب في البرلمان اللبناني أسامة سعد عن هذه "الصفقة" التي اعلنها ترامب يعتبر انها تأتي تعبيرا عن تصعيد اللهجة الأميركية الصهيونية ضد المنطقة والهدف تصفية القضية الفلسطينية وتعزيز الهيمنة الأميركية وموقع اسرائيل في بلادنا، ومن جهة منع قيام دولة فلسطينية مستقلة والغاء حق عودة اللاجئين و"تشريع" الاستيطان في الضفة الغربية.
ان الأمر الذي يفرض على الفصائل الفلسطينية اليوم هو تعزيز التكافل في ما بينها تحت راية المقاومة والكفاح الشعبي وفق برنامج للتحرر الوطني من أجل احباط "الصفقة" وبهدف التحرير والعودة وإقامة الدولة المستقلة في سياق تطوير الصراع ضد الاحتلال، كما يفرض على الشعوب العربية وقواها التحررية والمقاومة تصعيد النضال ضد الوجود الأميركي وضد كل أشكال الهيمنة الأميركية السياسية والاقتصادية وسواها من الاشكال وعلى هذه القوى تفعيل كفاحها ضد الحلف الأميركي الصهيوني وأدواته في المنطقة.
يضيف سعد ان الاخوة الفلسطينيين في لبنان وسائر دول الشتات يشكلون طلائع متقدمة للكفاح من أجل العودة ولذلك نناضل معهم من أجل توفير مقومات الصمود والتصدي للمساعي العاملة على التضييق عليهم لجهة الحقوق الاساسية كالأوضاع المعيشية وذلك بهدف دفعهم للهجرة الى مختلف أصقاع الأرض.
وفي رسالة وجهها الى الاخوة الفلسطينيين في لبنان قال سعد: سنبقى الى جانبكم من أجل توفير ظروف الحياة الكريمة كما سنبقى الى جانبكم في معركة العودة الى فلسطين.
وتتوالى الردود على اعلان "الصفقة" فيعتبرها الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي معن بشور تتويجا للقرن من الصفقات والمشاريع التي استهدفت القضية الفلسطينية ولن يكون مصيرها بأفضل من سابقاتها بفضل صمود الفلسطينيين شعبا ومقاومة واجماعا وطنيا.
"صفقة" اعترف ترامب بصعوبتها وتعقيداتها علنا "تستهدف الوطن العربي وتتخطى الارادة الدولية قبل الفلسطينية، ومجددا المجتمع الدولي برمته أمام غطرسة جديدة تهمش دوره في اتخاذ القرارات المصيرية للشعوب. الفلسطينيون هم المعنيون أولا" في افشال ومواجهة هذه "الصفقة" على كافة الصعد السياسية والشعبية.. وما قبل إعلانها ليس كما بعده ، فليعلُ الصوت الفلسطيني الذي اعتدناه بوجه صفقات الذل وليصمت من ارتضاها والى جولة اخرى من معركة الكرامة الفلسطينية التاريخية.

anw
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024