الرئيسة/  مقالات وتحليلات

حفاظاّ على ماء الوجه

نشر بتاريخ: 2020-01-27 الساعة: 10:26

محمد علي طه سألني تلميذي وصديقي المثقّف النّائب أيمن عودة، رئيس القائمة المشتركة، عن تفسيري لمنح جائزة نوبل للآداب من الأكاديميّة السّويديّة لمبدعين يساريّين مثل الشّاعر بابلو نيرودا، والرّوائيّ غبرئيل غارسيا ماركيز، فأعادني استفساره إلى مقال نشرته صحيفة سويديّة في نهاية العام 2019 يستند فيه كاتبه على وثائق الأكاديميّة التي يبدو منها النّقاش السّاخن والخلاف الحادّ بين أعضاء اللجنة التي اختارت الفائز بالجائزة الكبرى للعام 1969.
يذكر كاتب المقال أنّ اللجنة اختارت ذلك العام ستّة أدباء من بين عشرات المبدعين الذين رشّحتهم الجامعات والمؤسسات الثّقافية ورأت في أعمالهم الأحقيّة لنيل الجّائزة، وهم الكاتب المسرحيّ الإيرلنديّ صموئيل بيكيت والرّوائيّ والمفكّر الفرنسيّ أندريه مارلو والشّاعر التّشيليّ بابلو نيرودا والأديبة الفرنسيّة سيمون دي بوفوار والرّوائيّ الإنجليزيّ جراهام غرين والرّوائيّ الأرجنتينيّ خورخي لويس بورخس، وبعد جلسات وحوار ونقاش ومسوّغات اختارت اللجنة، وفق النّظام، مبدعين اثنين منهم وهما صموئيل بيكيت وأندريه مارلو كي تفضّل أحدهما وهذا القرار يعني استثناء الشّاعر الكبير اليساريّ نيرودا والرّوائيّ الأرجنتينيّ التّقدميّ الذي يعتبره النقّاد من أبرز أدباء القرن العشرين خورخي لويس بورخس، والأديب الذي استلهم روح المسيحيّة بأسلوب ساخر جراهام غرين، والأديبة الجريئة سيمون دي بوفوار صديقة الفيلسوف الأديب جان بول سارتر الذي رفض جائزة نوبل للآداب قبل سنوات.
ويظهر من الوثائق أن الخلاف الكبير بين أعضاء اللجنة كان حول من الأجدر بالجائزة بيكيت أم مارلو.
كان مارلو فيلسوفاً وروائياً ومفكراً وناقداً أدبياً وخبيراً في تاريخ الفنون وقد عادى في شبابه الاستعمار الفرنسيّ وحُكم عليه بالسّجن ثم أصبح بعد سنوات وزيراً للثّقافة وله مؤلّفات عديدة مثل أقمار من ورق، عابر سبيل، قيود يجب أن تنكسر، وأمّا بيكيت فهو أديب إيرلنديّ عاش في فرنسا وكتب بالّلغتين الإنجليزيّة والفرنسيّة وهو من روّاد مسرح اللامعقول ومن أشهر مسرحيّاته "في انتظار غودو" و"الكراسي" و"المغنيّة الصلعاء".
عارض بشدّة الأديب السّويديّ اندرس اوسترلنغ عضو لجنة الجائزة منح الجائزة لصموئيل بيكيت لأنه أديب عدميّ تنمّ أعماله المسرحيّة عن الخيبة واليأس إلاّ أنّ الأكثريّة من أعضاء اللجنة فضّلوا بيكيت على مارلو فمنحته اللجنة جائزة نوبل للآداب للعام 1969، وبعد عامين اثنين (في العام 1971) منحتها للشّاعر بابلو نيرودا أي بعد الأحداث السياسيّة التي حدثت في تشيلي وقضت على نظامها اليساريّ.
غادر الأدباء مارلو وبوفوار وغرين وبورخس الحياة بعد سنوات ولم يحصلوا على الجائزة كما حدث لمبدعين كبار آخرين مثل طاغور وطه حسين ويوسف ادريس وتشيخوف وأظنّ يا صديقي أيمن عودة أن الأكاديميّة السّويديّة تمنح جائزة نوبل الآداب لمبدع يساريّ بين عقد من السنوات وبين عقد آخر لتحافظ على ماء الوجه.

anw
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024