الرئيسة/  مقالات وتحليلات

لعبة الدم الإسرائيلية

نشر بتاريخ: 2020-01-23 الساعة: 10:03

عمر حلمي الغول اللايقين من المستقبل المتجذر في المجتمع الصهيوني، والخشية من القادم المجهول تعكس نفسها على العقل والفكر السياسي الإسرائيلي، وتترك ندوبا عميقة في الذات الصهيونية، وتداعيات ذلك على الآخر الفلسطيني العربي، وحتى على العلاقة مع العالم الخارجي، ويضاعف من حدة الأزمة، التي يعيشها المستعمرون الصهاينة. رغم كل الدعم الأميركي والأوروبي وملحقاتهما الدولية. والسبب يكمن في الخلل البنيوي للرواية الزائفة، التي يتظلل بها الإسرائيليون، وهم يعلمون في قرارة أنفسهم، ان روايتهم لا تستقيم مع الواقع والتاريخ والديمغرافيا والموروث الحضاري للوطن الفلسطيني التاريخي، ولغياب الأفق بمستقبل واعد، ولعدم تمكنهم من النزول عن شجرة الاستعمار الإجلائي والإحلالي، وخشيتهم من الإنصات لرواية صاحب الأرض والتاريخ والحقوق المسلوبة، الشعب العربي الفلسطيني، وحتى أولئك الذين يلتقون بالقيادة الفلسطينية لا يملكون الشجاعة في الإعلان عن لقاءاتهم معهم، وينزوون في الزوايا المظلمة عندما يأت ذكر الشعب العربي الفلسطيني وحقوقه امام أنصار اليمين واليمين المتطرف الصهيوني خشية اتهامهم بما لا يرغبون به.
هذا الواقع يجد صداه بقوة وصخب في زمن الحملات الانتخابية للكنيست الإسرائيلي، حيث ينزل الجميع إلى ميدان الرقص على جماجم وحقوق ومصالح الفلسطينيين، ويمارسون العبث المتلفع بالذعر والخوف من الأغيار العرب الفلسطينيين، ويطلقون الرصاص في كل اتجاه ضد الحقوق السياسية والقانونية والثقافية، وضد اتفاقيات السلام، وضد الأرض وما عليها وما تحتها، وضد التعايش، ويرفعون يافطات العنصرية والكراهية والجريمة المنظمة، والضم والتهويد والعطاءات للبناء في المستعمرات، وينشرون فسادهم ووحشيتهم المزنرة بكوابيس قطاع الطرق في كل مربع وزاوية من الأرض الفلسطينية العربية.
وفي دوامة اللعبة يلاحظ ارتفاع الصوت الإجرامي، وقعقعة السلاح، والالتفاف حول الذات الف مرة مع كل تصريح عدواني يعلن جريمة حرب إسرائيلية جديدة، وهو دليل الخوف علميا. وهذا ما يؤكده علماء النفس، بالقول: ان الخائف عادة يلجأ للصراخ ورفع الصوت حتى يخيف عدوه من البشر او الحيوانات، وشكل من اشكال المواساة وطمأنة الذات بالقدرة على إخافة العدو، أو الخصم.
ومن يتابع تصريحات نتنياهو، ووزير حربه الجديد، بينت، وكل أضرابه وأقرانه الصهاينة، يلاحظ انهم كالمضبوعين، أو الملموسين، الذين ترتعد فرائصهم مع كل تصريح يدلون به عن ضم الأغوار والأرض الفلسطينية، أو عن جرائم حربهم ضد ابناء الشعب الفلسطيني. لكن نتنياهو لم يقدم حتى الآن على وضع القشة، التي يمكن ان تقسم ظهر البعير، وهذا ما اكده نائب وزير الخارجية الأميركي، عندما اشار إلى ان نتنياهو في لقائه الأخير في أوروبا مع بومبيو، وزير الخارجية لم يتطرق من قريب او بعيد لموضوع ضم الأغوار. لكنه في ميدان لعبة الدم مع الكتل الصهيونية المنافسة، يقوم بالرقص على الدم والمصالح الفلسطينية لاستقطاب أصوات قطعان المستعمرين، وأنصار اليمين والحريديم المتطرف كي يبقى على سدة العرش المتهالك، ويحمي رأسه من مقصلة السجن.
ونزل للميدان كل ممثلي الكتل الصهيونية والمتدينة من الموالاة والمعارضة، ولم يبق خارجها أحد، لان القائمة الوحيدة، التي لم تتعرض للموضوع، وهي العمل + ميرتس لم تطرح حتى الآن برنامجا سياسيا، بل اكتفت بالحديث عن القضايا الاجتماعية والمدنية، وذلك خوفا وتهربا من انعكاس ذلك على حجم التصويت لصالحها في انتخابات مطلع آذار/ مارس القادم. إذن 28 قائمة دخلت حلبة التنافس على كيفية تعميق استباحة الدم والمصالح الفلسطينية، وتصفية قضية السلام، ولم يتخلف زعيم المعارضة، بيني غانتس المبتدئ في حقل السياسة عن الإدلاء بدلوه أثناء جولته اول امس الثلاثاء (21/1/2020) في الأغوار والإعلان عن نيته ضم الأغوار بعد الانتخابات القادمة. حتى ان رئيس حكومة تسيير الأعمال، دعاه فورا للجلوس معه كي يضموا الآن الأغوار الفلسطينية.
النتيجة المنطقية للعبة الدم، ان الكل الصهيوني شريك في تصفية خيار السلام. والتمايز النسبي والضيق بين الكتل المختلفة يتمثل في اختيار الوقت لإعلان الضم، وليس الخلاف على مبدأ الضم للأرض الفلسطينية، وتصفية عملية السلام تصفية تامة. وهو ما يعني طي صفحة مرحلة ربع القرن الماضية كليا، وفتح صفحة دموية جديدة على الساحة الفلسطينية الإسرائيلية. وايضا التأكيد مجددا على عدم وجود شريك إسرائيلي لصناعة السلام، ليس هذا فحسب، انما أخذ الإقليم وفي مقدمته فلسطين المحتلة إلى دوامة العنف والإرهاب الدولاني الإسرائيلي المنظم، وتفعيل خيار الترانسفير لابناء الشعب الفلسطيني إلى المنافي مجددا. ومن يعتقد عكس ذلك إما انه ساذج، أو لا يفقه في علم السياسة. وهو ما يتطلب منا الاستعداد لما هو آت، الذي قد يقلب كل ركائز المعادلات السياسية القائمة.
[email protected]

anw
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024