مشكلة غياب الصدى
نشر بتاريخ: 2020-01-14 الساعة: 10:06عمر حلمي الغول أكثر من مرة أسمع من أصدقاء على تماس مع النخب الإعلامية والسياسية الإسرائيلية ملاحظة يدونونها بشكل دائم، أن الصوت الفلسطيني غائب عن المشهد الإسرائيلي. وهناك حاجة لإحداث اختراق للساحة الإعلامية والسياسية الإسرائيلية. ورغم أهمية الاستماع للملاحظات من تلك النخب، والتي تعايش الواقع يوما بيوم ولحظة بلحظة، فإن الضرورة تملي تدوين بعض الأسئلة على الكل الإسرائيلي، ما هو المطلوب فلسطينيا لاختراق الشارع الإسرائيلي؟ ومن المسؤول عن تغييب الشارع الإسرائيلي عن الخطاب السياسي الفلسطيني؟ هل بادرت وسائل الإعلام ومنابرها المختلفة وبمستوياتها المقروءة والمسموعة والمرئية ومواقعها الإلكترونية للتواصل مع النخب الإعلامية والسياسية الفلسطينية ورفضت التجاوب مع ما تثيره من أسئلة؟ وإذا افترضنا أن بعض الفلسطينيين له موقف، ولم يتجاوب، لماذا لا تحاول مع آخرين؟ وهل شرط الحوار باللغة العبرية، أم هناك إمكانية للحوار بالعربية وغيرها من اللغات؟ وإذا افترضت أن صوت النخب الفلسطينية في أراضي دولة فلسطين المحتلة غائبة (وهو افتراض غير دقيق)، ألا يتم الحوار مع أبناء الشعب الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة؟ وألا يتحدثون ويعلنون بالفم الملآن عن مطالبهم، ومطالب شعبهم في المناطق المستعمرة منذ العام 1967؟ ولماذا لا تأخذ وسائل الإعلام المواقف الرسمية الصادرة عن الرئاسة والمؤسسات القيادية الفلسطينية؟ وكم من مرة التقى شخص الرئيس أبو مازن مع وسائل الإعلام ومع القيادات الإسرائيلية بتلاوينها المختلفة وتحدث عن السلام، وخيار الشعب الفلسطيني؟ وكم من مرة التقى أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وأعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح، وأعضاء لجنة التواصل الوطني مع النخب الإسرائيلية من مختلف شرائح وتوجهات الشارع الإسرائيلي؟ ولماذا لا تقوم وسائل الإعلام الإسرائيلية بتغطية تلك اللقاءات كما يجب؟ وهل في الخطاب السياسي الفلسطيني الرسمي ومعظم الشعبي ما هو خارج حدود المنطق والمنسجم مع قرارات الشرعية الدولية ومرجعيات عملية السلام، أم مطلوب خطاب وفق النسخة الإسرائيلية؟ وما هي حدود وسقف الخطاب الفلسطيني المطلوب من وجهة النظر الإسرائيلية؟ وهل يعتقد الإسرائيلي أن على الفلسطيني أن يتخلى عن ثوابته حتى يصبح خطابه مقبولا ومسموعا في الشارع الإسرائيلي؟
مشكلة غياب الصوت الفلسطيني حسب تقديري الشخصي، هي عدم رغبة وسائل ومنابر الإعلام الإسرائيلية القيام بواجبها تجاه عملية السلام، وبعضها ينفذ الأجندة الرسمية للائتلاف اليميني المتطرف الحاكم في إسرائيل، الذي يرفض فتح الأفق للخطاب الآخر خشية التحول في الشارع الإسرائيلي، ويعود بعض الأسباب للسياسات العنصرية والمسكونة بالكراهية والحقد، والرفض من حيث المبدأ الاستماع للرأي الآخر. كما أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية غالبا ما تضع العراقيل والضوابط الأمنية على الشبكات والمواقع والصحف والفضائيات والإذاعات الإسرائيلية لتحول دون الاستماع للصوت الفلسطيني، وأحيانا تمنع إصدار التصاريح للمعنيين بحجج وذرائع واهية، وأيضا نتيجة انغماس بعض المنابر الإعلامية في الهم الداخلي الإسرائيلي، والبحث في أحيان أخرى عن أصوات فلسطينية مشوهة، ولا تمثل الصوت الفلسطيني العقلاني ... إلخ.
لذا اعتقد أن هناك خللا بنيويا عند المتلقي الإسرائيلي، إما أنه يرفض الاستماع لأي صوت فلسطيني نتيجة تعمق سياسة الكراهية والحقد، التي انزرعت في وعيه، وثقافته، أو لا يعطي اهتماما عندما يشارك أي مثقف أو سياسي فلسطيني على أحد المنابر الإعلامية الإسرائيلية، وعدم الإنصات للخبر الفلسطيني، والانصياع لمشيئة القيادات اليمينية والدينية والحريدية المتطرفة، التي تعمل بشكل منهجي على خنق الصوت الفلسطيني، وعدم إفساح المجال أمامه لإيصال صوته للشارع الإسرائيلي، لإبقاء المضللين غارقين في متاهة التضليل والرواية الصهيونية المتطرفة المعادية للسلام.
مسؤولية إبراز الصوت الفلسطيني يتحملها الإعلاميون الإسرائيليون المؤمنون بخيار السلام، لأنهم لا يحاولون فتح الأفق والتواصل مع الصوت الفلسطيني، ونشر المقالات واللقاءات والريبورتاجات عن المأساة الفلسطينية. وعليهم مسؤولية كاملة غير منقوصة في شق الطريق أمام صوت السلام والتعايش والتسامح، ورفض العنصرية والعنف والإرهاب والكراهية والبلطجة، التي يقودها اليمين المتطرف ومن والاه من النخب والقيادات بتلاوينها المختلفة. من يريد الاستماع للصوت الفلسطيني يستطيع بسهولة تحقيق ذلك، المهم أن يفتح أبواب الشارع الإسرائيلي كي يسمع الصوت المتخندق في خنادق السلام العادل والممكن والمقبول فلسطينيا وإسرائيليا وعربيا وعالميا.
[email protected]