الرئيسة/  مقالات وتحليلات

"صندوق التكافل الخيري" .. ابداع ونضال وطني

نشر بتاريخ: 2020-01-12 الساعة: 08:58

موفق مطر "بلغت التبرعات للصندوق في أول يوم مليون دولار، سنؤمن منها احتياجات أسر فقيرة، تعيش في بيوت غير مؤهلة للسكن وتوفير دعم لطلبة محتاجين في المحافظة".
كلام هام جدا لمحافظ سلفيت الدكتور عبد الله كميل اثر اطلاق صندوق التكافل الخيري، نعتبره ابداعا عمليا يرتقي بمعنى النضال الوطني، ويؤسس لمدرسة تكرس منهج العطاء بلا حدود من اجل انسان كريم عزيز في وطن حر مستقل.
الانتماء لم يكن في مفاهيم حركة التحرر الوطنية مجرد شعار، أو مقولة يحفظها المناضلون ثم يرددونها عن ظهر قلب ، ولم يكن سباقا يفوز فيه من يسرد الكلام الكبير، وإنما عمل مادي ملموس مطهر من نزعة الأنا ، يبرز للعيان كالمنارة ، رغم دخان وغبار النفوس الطفيلية.
الانتماء صور يومية تجسم المحبة والتواصل مع المواطن الصامد والمحبة، وأعمال هي تعبير عن حجم فضاء المشاعر الانسانية والعاطفة والتراحم التي لولاها لضاقت بنا الأرض، وأطبقت على صدورنا السماء.
ما زلنا نعتقد بأن وطننا يحتاج لحب وعشق وارتباط روحي بين مواطنيه بوشائج مادية يستحيل على قوة في الدنيا قطعها، محبة تتفوق على التعبير السائد وتجعل منه مجرد خواطر ادبية في صفحات كتاب الماضي.
قبل تسليط الضوء على تجربة فلسطينية نموذجية فاقت التوقعات من حيث التفاعل الوطني والنتائج ونقصد بذلك صندوق التكافل الخيري لمحافظة سلفيت ، سنورد هنا فقرة من مقال كتبناه هنا على صفحات الحياة الجديدة قبل ست سنوات حيث كتبنا: "ما كنا بحاجة للمبادرات العملية بقدر حاجتنا لها الآن، ولم نكن يوما بحاجة الى تجسيم معاني التكافل، التعاضد، التآخي، الرأفة والكرم كما نحتاجها اليوم، فالرغبة في الحياة لا يمكن تحويلها إلى إرادة ومنهج عملي قابل للتطبيق ما لم تؤكدها المبادرات العملية للأفراد والمجتمع والجماعات والأحزاب وغيرها من التشكيلات والشرائح، ويتجسد فيها صدق الانتماء وإخلاص العطاء للبلد، فأي وطن في الدنيا لا يكبر ويعظم ولا يأخذ اسما لامعا وعريضا في سجل الحضارة الانسانية إلا اذا أحب كل مواطن لأخيه ما يحب لنفسه وإذا التزم الجميع قيم الأخلاق، واحترموا سلطة القانون، فالبلاد لا تبنى ولا تعمر بالأمنيات والأحلام، ولا بالتصورات الخيالية الجميلة، وانما بتعميم القيم الانسانية وتجسيمها كأسس عريضة عميقة لبناء الأوطان".
لم يقدم عضو المجلس الثوري لحركة فتح عبد الله كميل الخطاب النظري على حساب التطبيق العملي لمبادئ حركة التحرر الوطنية الفلسطينية، وإنما عمل بالفعل على تمهيد الطريق امام مسار فكرة تعزيز الانتماء الوطني، وضرب مثلا عمليا حيا في كيفية تجذير مفهوم الصمود، وتكريس مبدأ الافتداء والتضحية والعمل كفرض وواجب من اجل الجماهير دون تنظير صاخب او ضجيج شعارات ..فكان (صندوق التكافل الخيري) في محافظة سلفيت الذي يديره مجلس ادارة من خمسة عشر عضوا من المجتمع المحلي برئاسة المحافظ انبثقت عنه لجان متخصصة.. وبذلك يشارك المجتمع المدني ويضطلع بمهام مميزة عالية الاداء والنتائج والفوائد العائدة مباشرة على المواطن، بشراكة مع المؤسسة الرسمية (المحافظ) في هذا السياق، وزيادة على ذلك فإن للصندوق مجلسا استشاريا مؤلفا من خبراء وشخصيات اعتبارية يجتمع مع مجلس الادارة أربع مرات في العام ويرسم معه سياسات الصندوق.
قد يتساءل المواطنون المتبرعون منهم والمعنيون حول كيفية صرف أموال التبرعات، وهذا حق مشروع، ونعتقد بصواب الآلية التي اعتمدها الصندوق لضمان النزاهة والشفافية، حيث توضع التبرعات المالية في حساب خاص في البنك ولا يصرف منها دينار واحد إلا بموافقة مجلس الادارة، أما الصرف فيتم بحوالات للجامعات في حالة المساعدات للطلبة الفقراء والموردين في حالات المساعدات العينية للعائلات المتعففة عن السؤال او عمليات البناء والترميم لبيوت مساكين.
عقلية ادارية نظمت وضبطت آلية عمل الصندوق عبر لجان متخصصة كاللجنة الطلابية التي تتلقى من السكرتارية طلب الطالب الراغب في الحصول على المساعدة من الصندوق، ثم تحوله للجنة البحوث والمسح الاجتماعي، ثم يحول الى لجنة الرقابة والمتابعة، ليصل الطلب الى مجلس الادارة الذي يخاطب الجامعة التي يدرس فيها مقدم الطلب للتأكد انه لا يتلقى منحة من أي جهة اخرى، ثم يقرر مجلس الادارة نسبة المنحة، وإرسال الأقساط للجامعة عبر حسابها البنكي.
الخير ما زال موجودا في رجال ونساء من هذه البلد. فأبناء البلد الأصيلون يجودون كجود الوطن ، الذي يبقى اعظم وأكرم مما نتصور. 
تكشف لنا ضربات المعاناة والآلام والحصار عن معادن الرجال المخلصين، الذين يعملون بصمت لا تعلم يمينهم ما تصدقت به يسارهم ، فهؤلاء ما زالوا سر ديمومة الوطن.
وحق علينا في هذا المقام ذكر ابن البلد (احتفظ باسمه بناء على طلبه) الذي ما أن قرأ عبارتنا: "من لها" على منصتنا على (الفيسبوك) حتى تبنى تأمين دراستها الجامعية في تخصص (الطب) مع تكاليف اقامتها ومعيشتها في بلد عربي، فهذه الشابة تحصلت على درجة تؤهلها لدراسة الطب، لكن والدها غير قادر، فتوجه بنداء لاهل الضمير الوطني فتلقفه وطني فلسطيني معطاء بلا حدود، نعم فالشعب الفلسطيني سينتصر ما دام الفلسطيني في عون اخيه الفلسطيني، فتكافلنا ومحبتنا وتسييد الخير في تفكيرنا وسلوكنا وأعمالنا أعظم سلاح ليس في منهج مقاومتنا الشعبية السلمية وحسب بل في رفع اعمدة بنيان استقلالنا وسيادتنا. فالاحتلال يراهن على انكسارنا وتمزق نسيجنا الاجتماعي، لكنا واثقون بأن ابداعات مناضلينا والقادة في موقع المسؤولية كفيلة بجعله درعا يحمي ارثنا الحضاري والأخلاقي والقيمي والوطني.

anw

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024