الرئيسة/  مقالات وتحليلات

الخداع والمناورة الأميركية

نشر بتاريخ: 2020-01-08 الساعة: 10:05

عمر حلمي الغول ما زالت تداعيات مقتل قاسم سليماني، رئيس فيلق القدس الإيراني تتوالى حيث تبنى البرلمان العراقي يوم الأحد الماضي (5/1/2020) قرارا (غاب النواب الأكراد عن الجلسة) يدعو حكومة عادل عبد المهدي لاتخاذ ما يلزم لإخراج القوات الأجنبية من الأراضي العراقية، كأحد الاستحقاقات لاستهداف طائرات أميركية موكب القائد الإيراني في محيط مطار بغداد الدولي فجر الجمعة الماضي.
جاء الرد الأميركي من مصدرين أميركيين، الأول من قائد القوات الأميركية المنتشرة في العراق، الذي ارسل رسالة لنظيره العراقي، ابلغه فيها اٍستعداد قواته لمغادرة الأراضي العراقية. لكن هذا يحتاج لبعض الوقت. أضف إلى انه اشار إلى السماح للطائرات الأميركية بالتحليق لحماية انسحاب قواته ليلا. الثاني من وزير الدفاع الأميركي، الذي نفى خروج بلاده من العراق. وكان الرئيس ترامب، اعلن قبله، ان قواته لن تنسحب من العراق قبل ان تسدد العراق المبالغ الباهضة، التي دفعتها الولايات المتحدة في بناء القاعدة العسكرية!
ماذا نلاحظ في الردين؟ وكيف يمكن قراءة التناقض فيهما؟ وما دلالات ذلك سياسيا وقانونيا؟ وهل يملك العراق القدرة على إخراج أميركا؟ وفي حال لم تخرج القوات الأميركية، ما هو المآل، الذي ستتجه إليه الأمور في العراق؟ هل ستعود اميركا لاحتلال العراق مجددا، أم ستصادر الأموال العراقية المودعة في خزائنها وتنسحب؟
طبعا التناقض بائن وجلي بين الردين. لكن من المنطقي ان تتم قراءة التناقض من زاوية المناورة والخداع والتضليل لحماية القوات الأميركية، بمعنى انها لن تغامر بالبقاء بعد صدور قرار تشريعي من اعلى هيئة برلمانية. وعليه فإنها ستعمل على انسحاب قواتها دون وقوع أية خسائر في صفوفها. ولهذا لا بد من إشاعة نوع من الضبابية والغموض حول ساعة الصفر للانسحاب، وايضا لإعطاء نفسها الفرصة لمغادرة مواقعها المتمركزة فيها بكامل عتادها وقوامها، لا سيما أن القاعدة الأميركية تحتوي على أجهزة ومعدات أمنية دقيقة تحتاج لبعض الوقت لتفكيكها، هذا إذا تم افتراض حسن النية الأميركية.
والسيناريو الآخر الملازم للمواقف المتناقضة، يتمثل في رفض الولايات المتحدة الإنسحاب، وإدارة الظهر للقرار العراقي، لأن النظام العراقي من وجهة النظر الأميركية بمثابة حليف لها، والخلاف الإيراني الأميركي لن يدوم طويلا، وقد يحدث رد الفعل الإيراني وفق السقف المسموح به أميركيا، ثم تنقشع غيمة ردود الأفعال. وبالتالي صدور القرار كعدمه لا يقدم ولا يؤخر في معادلة العلاقات الثنائية، لأن ما بين البلدين من وشائج العلاقة أعمق وأكبر من مقتل سليماني.
لكن هذا الافتراض ليس بالضرورة ان يكون دقيقا، لأن بعض الميليشيات التابعة لإيران قد تنفذ بعض العمليات العسكرية ضد التواجد الأميركي في العراق، ما سيملي على السلطات الرسمية التوجه للمنابر الأممية لإلزام القوات الأميركية بالرحيل عن الأراضي العراقية. اضف ان عدم الانسحاب الأميركي سيسيء لها قانونيا، ويضع الف علامة سؤال على تعهداتها الدولية. من المؤكد إدارة ترامب لا تخشى ذلك، لكنها ليست مضطرة للبقاء في العراق إذا جد الجد، وطلب منها إخلاء الأراضي العراقية. لا سيما أن لديها من القواعد العسكرية في الإقليم ما يعوضها عن وجود قاعدتها في العراق، فلديها قواعد في قطر والبحرين والكويت وتركيا، واساطيلها تملأ المياه الإقليمية والدولية المشاطئة لدول المنطقة. وبالتالي مغادرتها العراق لن يقدم ولن يؤخر في حسابات المصالح الحيوية الأميركية. كما ان البنتاغون قد يقوم بنقل قاعدته لأراضي إقليم كردستان، والدفع بتعزيز استقلاله لخلط الأوراق في المنطقة برمتها، ومن زاوية اخرى تقوم ادارة ترامب بمصادرة ودائع العراقيين الموجودة في بنوكها. ولن تكون اميركا مضطرة لعودة احتلال العراق مجددا، لأنها دفعت ثمنا غاليا لقاء ذلك.
منطق "اللعم" الأميركي تجاه قاعدته وقواته في العراق يتلفع بثوب المناورة والخداع والتسويف في آن لحماية قواته، ولاستجلاء ردود الفعل في العراق والعالم تمهيدا لاتخاذ الموقف الأنسب للقوات والمصالح الأميركية.
[email protected]

anw

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024