"التهدئة" بين حماس والاحتلال.. صفقة أمنية مغلفة ببعد إنساني
نشر بتاريخ: 2020-01-02 الساعة: 19:36رام الله - وفا- لاقت مساعي حماس الحثيثة لإتمام "اتفاق تهدئة" مع حكومة الاحتلال وتسويق نفسها كبديل لمنظمة التحرير ومشروعها السياسي، لطمة قوية وجهها المشاركون في إحياء ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية وحركة فتح في شارع الوحدة بقطاع غزة، ما أكد بما لا يدع مجالا للشك بأن رهانات حماس ومعها إسرائيل واميركا فاشلة، وأن المؤامرة أسقطت فعليا.
صفقة حماس مع اسرائيل التي ستلعب فيها دورا أمنيا وخدماتيا في هذه المرحلة، أصبح جليا، من خلال ما يتم على الارض بالسعي لتحقيق مكاسب خدماتية تعزز سيطرتها على قطاع غزة على حساب الحقوق السياسية الفلسطينية بما يقود الى تكريس الانقسام.
باحثون يؤكدون أن مباحثات "التهدئة" بين حماس وإسرائيل هي عملية مقايضة بين الجانبين بمتابعة أميركية وهي دون الحد الأدنى لتطلعات شعبنا، وستكون على حساب الحقوق السياسية وستضر بالقضية الفلسطينية، وأن هذا يمهد لمرحلة خطيرة على مستقبل وحدة الارض الفلسطينية ومشروع الدولة الفلسطينية المستقلة.
استاذ العلوم السياسية في جامعة بير زيت الدكتور عبد الرحمن الحاج إبراهيم قال: "إن حماس في قطاع غزة ومن خلال تفاهماتها المرتبطة بتسهيل حياة المواطنين، جعلت من نفسها فعليا منسقا مع الاحتلال، وإلا كيف تستطيع القيام بذلك؟، بمعنى ان دورها تنسيقي بحت مع الاحتلال، مقابل خدمات بسيطة بعيدا عن النظر لقضية قطاع غزة كقضية سياسية، فالموضوع أمني خدماتي وليس سياسي في هذه المرحلة".
وأضاف: "هذا الموضوع خطير لأنه يريد تهدئة في غزة بينما يقوم بتنفيذ بنود صفقة القرن في الضفة، فصمت حماس المريب على ما يجري من ضم وتهويد واستيطان، والقرارات الاسرائيلية الخطيرة والمتسارعة في القدس والاغوار والكتل الاستيطانية، يؤكد رضاها بعكس ما تدعيه".
وتابع: "الامور واضحة تماما للمراقب غير المختص أن هناك طبخة يتم إعدادها خلف الكواليس بن حماس وإسرائيل، ووراءهما الادارة الأميركية. بغض النظر عن الوسطاء في الموضوع، وواضح تماما موقف حماس من التصعيد الأخير في غزة وعدم مشاركتها فيه، الذي مثلت فيه دور الاخ العاقل الذي يريد أن يعطي نفسه مصداقية أمام الآخرين وهما إسرائيل وأميركا وما تبعها من السماح لهنية بالقيام بجولته الخارجية.
وأردف د. الحاج إبراهيم:"ما يجري على الارض يتناغم مع التغيرات التي حصلت في ميثاق حماس قبل عامين ونيف، وهذا يدلل على أن حماس لديها مشروع سياسي خاص بها تقوم بتنفيذه على الأرض، وهذا التغير لا يكون بمعزل عن المتغيرات الاقليمية والدولية، وهذا يطرح تساؤل عن دور حماس في الخارطة السياسة في قادم الايام كحزب وليس كمشروع وطني عليه إجماع فلسطيني .
من جهته رأى مدير عام مركز الابحاث في منظمة التحرير الدكتور منتصر جرار، أن ما يجري من تفاهمات بين حماس واسرائيل هو محاولة لتسويق أي حلول على حساب الحلول السياسية التي تضمن حق شعبنا بإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وأنه منذ عام 1949 حتى اليوم تم طرح 22 مشروعا للسلام الاقتصادي، ورفضت جميعا من قبل القيادة الفلسطينية على مدار تلك السنوات، ورفضت تحويل القضية من سياسية إلى إنسانية.
وقال: "اليوم حماس بما تقوم به من موافقة على المنح الاقتصادية لتكريس وجودها وسلخ غزة عن الضفة وإقامة دولة في غزة، يصب ويتساوق مع صفقة القرن لأن ما تضمنته صفقة القرن بناء على ما نشر هي قضايا اقتصادية وإنسانية، بهدف تحويل القضية من سياسية الى انسانية، بالمقابل رفضت القيادة الفلسطينية ممثلة بالموقف الرسمي الذي أعلنه الرئيس محمود عباس كل هذه الطروحات، وهذا قوى الموقف الرسمي الفلسطيني على الصعيد الداخلي. وزاد من الالتفاف والثقة حول القيادة الفلسطينية وبرنامج منظمة التحرير ".
وتابع: "وهذه المشاريع من أهدافها طمس وجود منظمة التحرير وتحويل الاهداف الوطنية إلى أهداف حزبية ضيقة تقوم على تكريس الوجود مقابل دفع أي ثمن سياسي وهذا ما تقوم به حماس في غزة، وإن تبعات وآثار التهدئة سيضعف القضية الفلسطينية دوليا، ويساعد حماس في إطالة عمرها وعمر انقسامها.
وأكد جرار أن مشاركة جماهير شعبنا في قطاع غزة أمس بحشود غفيرة هو مؤشر واضح على رضى الشارع الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة عن الموقف الرسمي الفلسطيني ممثلا بالرئيس محمود عباس والحكومة، في ظل الوضع المتردي الذي خلقته حماس بسيطرتها على قطاع غزة.
وأشار الى أن اجتماع "الكابينت" الاسرائيلي أمس الذي أُرجئ إلى يوم الاحد المقبل، جاء لدعم توجهات التهدئة من أجل تعزيز الانقسام، وإفشال أي محاولة لإنجاز ملف الانتخابات وتعزيز الوحدة الوطنية، وما جرى في غزة سيكون محمورا رئيسيا على طاولة "الكابينت" لان ما جرى يجعل الساسة في إسرائيل والاقليم وعلى المستوى الدولي يعيدون التفكير في بناء مشروع حل مع حماس على المدى البعيد أو القريب وأن الرهانات على حركة حماس قد تخلخلت بعد هذه الصورة التي خرجت أمس من غزة .
بدوره اعتبر مدير وحدة الابحاث والسياسات في معهد فلسطين لأبحاث الامن القومي الدكتور رمزي عودة، أن هذه التفاهمات مرتبطة بشكل وثيق بالأموال والمنح الإقليمية التي تأتي من خلال اسرائيل، والمخاوف أن هذه التفاهمات تهدف لإقامة دويلة في غزة تتماشى مع صفقة القرن، وهذا ما أوضحت القيادة الفلسطينية خطورته، وإن ما تقوم به حماس على الارض فعليا يعكس أنها تمشي بحل جزئي وفردي وليس حلا وطنيا شاملا متفق عليه.
وقال: "إن الحديث بين حماس واسرائيل على تهدئة طويلة الاجل، تتضمن قيام حماس بمنع الضربات الصاروخية والعلميات العسكرية ضد الاهداف الاسرائيلية وضبط هذا الموضوع بالنسبة لكافة الفصائل، وهذا ما خلق خلافا بينها وبين حركة الجهاد الاسلامي، كونها القوة العسكرية الثانية مع وجود رفض من فصائل أخرى، ولكن لم يكن هذا الرفض والخلاف واضحا كما كان مع حركة الجهاد الاسلامي، وظهرت نتائج هذه التفاهمات بوضوح بعد اغتيال الشهيد بهاء ابو العطا، حيث امتنعت حماس عن المشاركة في التصعيد ضد الاحتلال".
وبين عودة أن الخطاب الوحدوي الذي قدمه الرئيس محمود عباس والمتحدثون في مهرجان الانطلاقة في غزة أمس يعكس ضرورة الحفاظ على المشروع الوطني وتحقيق الوحدة الداخلية للتصدي لمحاولات التهويد والاستيطان وصفقة القرن، وأن المشروع الفتحاوي واضح يدعو لإنهاء الانقسام من خلال البدء بالانتخابات والاحتكام للجماهير والناس التي خرجت في غزة لتأييد هذا الموقف والتأكيد عليه.
m.a