الرئيسة/  مقالات وتحليلات

سامي في التراجيديا الفلسطينية

نشر بتاريخ: 2019-11-28 الساعة: 09:49

عمر حلمي الغول التراجيديا الفلسطينية تشبه الأساطير الإغريقية بعظمتها، فأبطالها وعمالقتها، رموز الحب والموت والحصاد والحصار والريح والنار والمقاومة والسلام والانبثاق من الرماد والبقاء في توالد استثنائي. ما إن يترجل بطل من الأبطال في حقل من الحقول، حتى يبزغ من تحت النيران المتقدة ألف بطل ينازلون الأعداء، وتضاء سماء الفرح في كل درب وناحية من البلاد، وأهازيج الحصاد لا تنام، رغم غول وجرائم المستوطنين المستعمرين، وجبروت بطشهم وحقدهم وكراهيتهم وعنصريتهم، وجشعهم الاستعماري المستعر في نهب الأرض والبيت والحقل والمصنع وثروات الشعب العظيم تحت وفوق الأرض.
عبقرية وفرادة الفلسطيني العربي تتجلى في كونه يقف شامخا صامدا يتحدى الطعنات وسهام الأعداء و"الأعدقاء"، يقاتل الموت، وينشد الحياة والأمل والمستقبل، ينبعث كطائر الفينيق من تحت الرماد، يرفع غصن الزيتون بيد، ويقاوم باليد الأخرى. وتتجلى أسطورته من كونه إنسانا حقيقيا من دم ولحم، يحمل آمالا وأحلاما وطموحات، ويبني لغد الأبناء والأحفاد، وليس من خيال الأسطورة المتخيلة.
هذا فارس شجاع آخر سقط شهيدا فجر الثلاثاء الماضي، وهو مقيد القدمين واليدين، وهو على سرير الموت البطيء في سجن الرملة نتاج الإهمال الطبي، وسوء التغذية، وبشاعة التعذيب والتنكيل في أقبية زنانين المستعمر الإسرائيلي. ورغم معرفة جلادي سلطات السجون الإسرائيلية بأن سامي أبو دياك قاب قوسين أو أدنى من الموت المحتم بسبب استشراء مرض السرطان في جسده، إلا أنهم رفضوا الإفراج عنه، وأصروا على إبقائه فيما يسمى مستشفى سجن الرملة، الذي لا يقدم خدمات طبية، بقدر ما يعمق عملية الموت البطيء لأسرى الحرية الأبطال.
سامي كان يحلم ويطمح أن يموت بين أحضان والدته دون قيود. لكن الجلاد القاتل ومجرم الحرب أبى ورفض منحه بعض حلمه الصغير والمتواضع. وواصل حقده وكراهيته وعنصريته وفاشتيه لإثخان جسده المنهك بجرعات من السم المميت. رحل سامي بعد سبعة عشر عاما قضاها في السجن، وكان وما زال يمثل أيقونة ونموذجا لشجاعة فرسان الحرية. وهو الشهيد والشاهد على جريمة إسرائيلية جديدة، وعلى انتفاء أبسط معايير حقوق الإنسان في السجنين الكبير والصغير. فإله الحرب والموت الصهيوني (داود) مدعوما بكل آلهه الشر والجريمة في العالم، خاصة في أميركا الترامبية يصول ويجول دون قيود، ولا ضوابط، ولا معايير إنسانية أو أخلاقية أو قانونية يستبيح أرواح الفلسطينيين في كل مكان من وطنهم الأم. ومع ذلك لم يمت سامي، وإن كف جسده النحيل والمتعب عن الحياة، لأن آلافا من حملة راية الحرية والسلام اندفعوا إلى ميدان الحياة دفاعا عن المستقبل، والغد المشرق.
من المؤكد أن رحيل الشهيد البطل سامي لن يكون الأخير، ولن تتوقف دورة الموت عند الرقم 222، بل ستتواصل طالما بقي أسير واحد في أقبية الموت الإسرائيلية. وهناك ما يزيد عن 700 مناضل من جنرالات الأسر يعانون أمراضا شتى، وهم مدرجون على قائمة الموت البطيء في أقبية وباستيلات دولة الاستعمار الصهيونية.
سيف الموت يقف بالمرصاد لأبطال فلسطين في السجون الإسرائيلية، رغم كل محاولات الصمود والثبات، التي يجترحونها. والعالم يقف صامتا مكبلا، لا يقوى على إنفاذ القانون وبعض العدالة الإنسانية خشية العصا الأميركية الغليظة. ولجان التحقيق تأتي وتذهب، وقوانين تصدر وتتراكم على أرفف المؤسسات العربية والدولية لتتغطى بغبار الأتربة دون أن يجد أي منها طريقه للنور والتطبيق وملاحقة القتلة الصهاينة.
سيبقى الفلسطيني حاملا مأساته يقارع الجلاد الصهيوني القاتل، ويزرع الأرض بالكروم والتين والزيتون، ويرفع رايات السلام والحرية، وسينتصر ذات فجر قريب، وروح سامي وكل أرواح الشهداء والشهود من ابناء الشعب الفلسطيني المحلقة في سماء الوطن ستنثر الفرح في كل بيت مع موت واندثار الاستعمار الصهيوني المجرم، وإعلان الاستقلال والسيادة على الأرض الفلسطينية العربية وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين لديارهم.
سلاما لروحك ايها البطل التراجيدي سامي، وسلاما لأرواح كل الشهداء، الذين لكل منهم مأثرة وملحمة في التراجيديا الفلسطينية الأعم.
[email protected]

anw

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024