الرئيسة/  مقالات وتحليلات

نظرة أكثر إنصافا لثورات المنطقة

نشر بتاريخ: 2019-11-19 الساعة: 09:58

باسم برهوم من الطبيعي ان ينظر كل طرف للثورات الشعبية او الاحتجاجات او التحركات، سمها ما شئت، من موقعه ومصالحه. فاذا كان هذا الطرف هو المستهدف بالثورة، سواء كان نظام حكم او طبقة او مجموعة او حزبا، فانه بالتأكيد سيقف ضد هذه الثورة او التحرك ويحاول قمعها او افراغها من مضمونها عبر التشكيك بها ومحاولة تصنيف الثوار وتجزئتهم الى آخره من المحاولات. اما إذا كان هذا الطرف له مصلحة بالثورة فهو يعمل كل ما يستطيع لاستمرارها حتى تحقق اهدافها، ويقوم بتجميلها وتنزيهها من اي شائبة.
ان أبشع ما تتعرض له الاحتجاجات في لبنان والعراق، وفي الايام الاخيرة في إيران، هو وصفها بأنها مأجورة او انها تدار من قبل سفارات. ولكي لا ابدو ساذجا في النظر للأمور، فإن اي حدث، سواء نشأ بفعل تطورات طبيعية موضوعية، او بفعل فاعل، فإن كل الأطراف تحاول استغلاله لما فيه مصلحتها، وان الفرق بين طرف واخر هو قوته وقدرته على التأثير.. فالسؤال هنا إذا ما كانت الوقائع هي كذلك، فهل يعني ذلك ألا تثور الشعوب او تحتج؟
ولمن يستسهل تفسير كل شيء بمنطق المؤامرة، فأقول لكل هؤلاء ان المؤامرة لم تبدأ اليوم فهي بالنسبة لنا نحن الفلسطينيين والعرب بدأت منذ حملة نابليون وقبله منذ السيطرة العثمانية، او قبل ذلك عندما فقدت الامة العربية حكمها لنفسها. فليس من الانصاف ان نختم هذه الاحتجاجات والانفجارات الاجتماعية بختم المؤامرة، لان لها ما يبررها من فساد وظلم، فأي مؤامرة لا يمكن ان تحرك الشعوب إذا لم تكن هناك اسباب حقيقية وجدية داخلية هي السبب الرئيس لاندلاع الاحتجاجات.
لا شك ان ما يجري سيغير الكثير في المنطقة، وان هذا التغيير سيكون بالتأكيد أفضل مما نحن عليه ، حتى تحقق الشعوب شيئا من حريتها وتتجاوز القدر الطائفي والمذهبي الذي رسمه لهم كل من هو عدو لهذه الامة بهدف ان تبقى في تخلفها والا تنهض ابدا ويتمدد على حسابها.
ان هذه الثورات وان لم تستطع تحقيق كل أهدافها فانها تراكم وتعمق الوعي. ومن يعتقد ان اسرائيل هي المستفيدة من هذه التحركات والثورات فهو يغمض عينيه عن حقيقة ان هذا الكيان العنصري من مصلحته الا تنفض الشعوب عنها ثوب الطائفية والمذهبية، وطغيان هويات التجزئة على الهوية القومية العربية الجامعة.
علينا ان ندرك ان هذه الثورات قد تمثل بداية لنهضة عربية وخلاص من المراهنة على المنقذ الخارجي. لان هذا المنقذ الوهمي لا يمكن ان ينمو الا على حساب الامة العربية. ومع ذلك علينا ان نراقب بحذر فهناك أطراف كثيرة لها مصلحة بتفريغ هذه الثورات من مضمونها وحرفها عن مسارها الديمقراطي الوطني الاجتماعي، وفي مقدمة هؤلاء اسرائيل وأميركا وكل من له مصلحة بعدم نهضة هذه الامة، فالولايات المتحدة هي وراء كل محاولة اجهاض لكل ثورة حقيقية جرت في المنطقة. فلدى واشنطن باستمرار أدواتها الجاهزة للاستخدام. لذلك دعونا ننظر بإنصاف أكثر لهذه الثورات ونعلن تضامننا مع فكرتها ومضمونها النقي ومع أهدافها النهضوية.

anw

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024