الرئيسة/  مقالات وتحليلات

ياسر عرفات.. بندقية الثائر وغصن الزيتون

نشر بتاريخ: 2019-11-12 الساعة: 09:09

يحيى رباح ألف موشيه يعلون رئيس الاركان الاسرائيلي السابق، ووزير الجيش الاسرائيلي السابق، وأحد قادة حزب "أزرق ابيض" الحالي، كتابا عن مذكراته بعنوان "أقصر الطرق" يقول فيه: "في عام 1995 حدث إجماع في إسرائيل بأن عرفات كان يخدعنا، وأن عرفات كان بارعا جدا في جعل العالم يصدقه، وكان إجماع في إسرائيل على حتمية خروجه من المشهد".
التفاصيل الصغيرة بعد ذلك ليست مجدية كثيرا، لكن ياسر عرفات القائد المؤسس، الثائر الخالد، كان قد أكمل صناعة اقداره، التي هي أكبر ألف مرة من كل أعدائه، فقد حول النكبة الفلسطينية، وما أدراكم ما النكبة، إلى قيامة شاملة، وحول الجرح الفلسطيني الغائر إلى حقول من الورود، وحول الوصية إلى استمرار الهدف، ولذلك فإن كل أعدائه ابتداء من حالات التطبيع البائسة المجانية التي لا هدف لها ولا كرامة تبدو قياسا إلى ذكراه الخالدة وحضوره العظيم، شيئا يثير السخرية والازدراء، بل إن اسرائيل نفسها التي أخذت منذ تأسيسها قبل إحدى وسبعين سنة دعما بلا سقف، خاصة من اميركا، وعلى الخصوص من ترامب الذي جند نفسه بلا عقل، وبلا إرادة أداة في يد نتنياهو، أصبح نموذجا للمنحاز، والأكاذيب والعار الذي ينضح عارا، خاصة منذ يوم امس الاثنين الذي يوافق الذكرى الخامسة عشرة لرحيل الرمز ياسر عرفات، حيث الشهادات في عملية العزل ستبث على الهواء، سيكون الاستماع اليهما علنيا وعلى أوسع نطاق في اميركا كلها بل في العالم أجمع، وأنا شخصيا من خلال متابعتي لسلوك ترامب ارجح انه سيذهب طوعا إلى الانتحار أفضل له ألف مرة مما ينتظره عقابا له على تفجير كل هذا العداء للشعب الفلسطيني، وكل مفردات قضيته، بينما شعبنا الذي تجرع الألم وصنع الأمل ماض في حضوره الخارق، مقترب من لحظة انتصاره الفارقة، بأن فلسطين وطنا واستقلالا وحياة ممتدة ستكون حقيقة الحقائق مثل وجه الله.
عرفات لم يكن لحظة عابرة في الزمان، بل كان علامة التحول في هذه التراجيديا المذهلة التي هي المسيرة الفلسطينية، في الأيام الأولى في أعقاب هزيمة الخامس من حزيران عام 1967م، انتقده بعض الإخوة العرب، لماذا يموه سيارته التي يستقلها بالطين مع أننا مهزومون، فقال لهم "انا لم اشارك في الحرب وبالتالي لم اشارك في الهزيمة"، وبعد قرابة تسعة شهور فقط، كان يصنع انتصار الكرامة بالشراكة مع الملك حسين والجيش الأردني، وفي طريقة للخروج من بيروت في عام 1982م سأله الصحفيون "إلى أين الآن؟" فأجابهم بابتسامته الصغيرة المشرقة "إلى فلسطين" !!!! بعض من سمعوه أصيبوا بالذهول، أما هو فقد ملأته الطمأنينة، أليس هو الذي أطلق على أطفال فلسطين الذين يرشقون الاحتلال بالحجارة اسم جنرالات الحجارة؟! أنت تزرع أنت تحصد، أنت تجني ما زرعته يداك، وفي هذه المدرسة الهائلة تتعلم الأجيال الفلسطينية، وهذه الأجيال تعلمت ان الذين يبحثون عن الله خارج مديات العدالة في الوجع الفلسطيني لا يعرفون الله.
في الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عرفات، موتا، أو قتلا، أو اغتيالا، نقول هذا الحشد الكبير والمليء بالتفاهة من الاعداء، ابتداء من المطبعين بالمجان على طريقة "يفعل المنكر لكي يذكر، أو هذا الحب الذي يدرج ضمن أبواب الشذوذ في العلاقة بين ترامب ونتنياهو، أو عن شيوخ الكذب من الإخوان المسلمين، أو بعض الذين يشلحون "يخلعون" انسابهم العربية عند أبواب القضية الفلسطينية،نقول لهم إن عرفات لم يمت، هل يستوي الموت مع كل هذا الحضور، والوصية لها من يحملها بكل الأمانة والأهلية والبطولة، ممثلة بقائد المعركة، وقائد المسيرة رئيسنا ورأس شرعيتنا أبو مازن، ولن يضيع شعب يمتلك هذا القدر من الشجاعة والوفاء والاصرار.

anw

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024