الرئيسة/  مقالات وتحليلات

تراجيديا يحيى كراجة

نشر بتاريخ: 2019-11-10 الساعة: 08:42

عمر حلمي الغول كان يوم الخميس الماضي موعدا لإسدال الستار على مأساة يحيى كراجة، الذي حرق نفسه بعد ان ضاقت به سبل العيش، ولم يعد بإمكانه مع شقيقه عبود (28 و30 عاما) مواصلة الحياة، طاقته نفدت، ووصل إلى آخر قدرته على الصبر. فذهب للممر الإجباري، خيار الانتحار، الذي يرفضه، ولا يرغب به، ولم يتمناه، وكان يريد ان يحيا اسوة بباقي الشباب وابناء الشعب حياة كريمة بالمعايير النسبية، لم يطلب شيئا مستحيلا، كل ما كان يطالب به مأوى، أي مأوى حتى لو كان كوخا من ورق أو كرتون، أو من جريد البلح وفرشة إسفنج ومخدة او دونها، وحرام يتغطى به مع شقيقه عبود، ولقمة نظيفة حتى لو كانت عبارة عن كوب شاي وخبزة طرية ليسدا رمقهما بها، وسطل ماء ساخن ليغسلا جسديهما به.
انتحر يحيى، وهو يؤكد بملء الفم في فيديو مصور: " أنا لم انتحر، ولم اضرم النار في جسدي، انا انفجرت من الأوضاع المأساوية". وأضاف "سأزوركم في المنام حتى تستيقظ ضمائركم". وجه التهمة لنا جميعا. لم يستثن أحدا، مع ان المسؤولية تتدرج، ولكن جريمة فقدان يحيى، التي أنقذت عبود شقيقه من ذات المآل فتحت الجرح الفلسطيني على الكم الهائل من المأساة الاجتماعية والاقتصادية والسيكولوجية، التي تضرب عمق المجتمع الفلسطيني، وبنيته القيمية، ومعاييره الأخلاقية، وأثر الانقلاب الأسود لفرع جماعة الإخوان المسلمين على محافظات الجنوب، التي تعيش احلك لحظات التاريخ الأسود منذ قرون خلت.
طرق يحيى وعبود كما قالا كل ابواب جهات الاختصاص لإيجاد حل لمشكلتهما، ومساعدتهما في العيش بالحد الأدنى من الكفاف، حتى عندما وجدا ضالتهم في احدى زوايا مستشفى الشفاء، طردتهما اجهزة امن حماس من تلك الزاوية. وحصل نفس الشيء عندما ذهبا إلى بيت إسماعيل هنية، طردهما الحرس الشخصي لرئيس حركة حماس. وجالا في الأزقة والشوارع والحارات بحثا عن ملاذ شبه آمن، لكن الأبواب أوصدت امامهما.
باع شقيقه نفسه لتاجر أعضاء بشرية مقابل أجرة نقله عبر نفق من غزة لمصر. لكن الصدفة المحضة، هي التي ابقت عليه حيا، حيث تبين لذلك التاجر ان أعضاء الشاب فيها خلل ولا تصلح للبيع، ونقلها لجسم آخر، مما دعاه لان يعتقه؟! إلى هذا الحد وصلت الجريمة، تجار الأعضاء البشرية والمخدرات والدعارة والسلاح والموت والتلوث البيئي وانتفاء العمل، ومصادرة ابسط حقوق الإنسان، حتى بيع الوطن لحسابات واجندات معادية... إلخ من الموبقات، التي تنتشر كالفطر في قطاع غزة بعدما استولت عليه حركة حماس بانقلابها الحقير.
بالعودة للمسؤوليات تجاه موت الشاب يحيى يفترض في ميليشيات حماس كونها المتنفذة على الأرض القيام باعتقال أعمام الشابين، ومحاكمتهم محاكمة علنية، وإيقاع اشد العقوبات بحقهم، على دورهم اللاإنساني باغتصاب حقوق الشابين بعد وفاة والدهما، وزواج امهما في الأردن. وملاحقة كل من لم يساعد الشابين، ومن وقف وراء انتحار يحيى التراجيدي. لانه فعلا كما قال، ليس انتحارا، بل انفجار في وجه الواقع البائس والمريض والمتعفن في قيمه، مع ان شعبنا العربي الفلسطيني عرف على مدار العقود والقرون السالفة بالتآخي، والتكافل والتعاضد، لكن وحوش الانقلاب الاخواني أمعنوا قهرا وتخريبا باسم "الدين" و"المقاومة" وكليهما براء من الانقلابيين ومن والاهم، ويمضي في ذيلهم، ويروج لبضاعتهم الفاسدة.
مات يحيى انتحارا، ولكن تراجيدية روايته الحقيقية لم تمت، ولا يجوز ان تموت. وعلى كل صاحب ضمير ان يستيقظ من غفوته، وان يراجع ذاته، وكلما ارتقت مسؤولية كل إنسان فينا، كلمات تضاعفت مسؤولياته تجاه الشعب ومصيره، وضرورة العمل لإنقاذ ابناء الشعب في محافظات الجنوب بالانتخابات، بالمصالحة بدون ذلك، المهم لم يعد هناك مجال لتغطية الشمس بغربال ممزق. حماس ومن والاها مطلوب منها أن تطوي انقلابها برغبتها أو بدون رغبتها، لا مجال للصمت والانتظار لننقذ عشرات ومئات الآف الشباب من الجنسين من المآسي المرعبة، التي يعيشونها نتاج الفقر والفاقة والرذيلة والموت المعلن في وضح النهار في قطاع غزة.
[email protected]
[email protected]

anw

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024