إسرائيل ترد على قرارات الانفكاك بـ"أساليب خفية": الحل بالالتفاف الشعبي
نشر بتاريخ: 2019-10-29 الساعة: 17:17رام الله- بوابة اقتصاد فلسطين- عصمت منصور- شهدت الساحة الإسرائيلية مظاهرتين حتى الآن قادها تجار ومربو الابقار ضد ما وصفوه بصمت حكومة الاحتلال إزاء" الحرب الاقتصادية" و"الخنق" وتصفية" تجارة العجول في إسرائيل.
المسيرة الأولى التي استخدمت فيها شاحنات نقل العجول والسيارات المغطاة باليافطات اتجهت في 16 تشرين الأول الى ديوان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. التظاهرة، قادها كبار التجار ومربي العجول مطالبة باحترام بروتوكول باريس الاقتصادي.
كما طالب باتخاذ تدابير وإجراءات عقابية ضد السلطة الفلسطينية أسوة بما حدث العام الماضي عندما قررت إسرائيل وقف استيراد الخضار والفواكه من الأراضي المحتلة ردا على قرار السلطة مقاطعة لحوم الأغنام القادمة من إسرائيل وهو ما قاد إلى إنهاء المقاطعة.
المسيرة الثانية جاءت بعد اقل من اسبوعين (24 تشرين الأول) واتجهت إلى معبر "شاعر افرايم" وفيها تصاعدت اللهجة ضد الحكومة الإسرائيلية والتحذيرات من اثأر الخطوة الفلسطينية الكارثة على قطاع تربية العجول في اسرائيل.
ووصف المتظاهرون الخطوة الفلسطينية بحكم الإعدام والتسبب بإفلاس ما لا يقل عن 2000 عامل في هذا القطاع وانهيار تجارة حوالي 600 عائلة تشكل تربية العجول المصدر الأساسي لتجارتها وتعتمد على السوق الفلسطيني بنسبة 90% في تجارتها بالإضافة إلى تأثيرهما على القوتين الاحتكاريتين في مجال الألبان واللحوم وهما "تنوفا" و"دباح".
هذه المسيرات لا تشكل المؤشر الوحيد على خطورة الخطوة التي اتخذتها حكومة رئيس الوزراء د. محمد اشتية "بشكل أحادي ودون إنذار مسبق" كما وصفتها صحيفة ذا ماركر الاقتصادية.
وربطت الخطوة في وسائل الإعلام بتوجهات حكومة اشتية بالسعي للانفكاك التدريجي عن الهيمنة الإسرائيلية التي فرضها الاحتلال على الاقتصاد الفلسطيني لا سيما مع زياراته التي قام بها إلى مصر والأردن والعراق وتوقيعه على عقود تتعلق بالتجارة المواصلات والطاقة والصحة مع هذه الدول.
في هذا السياق قالت صحيفة "مكور ريشون" الإسرائيلية إن الخطوة تعتبر بداية حرب تجارية تخوضها حكومة اشتية ضد إسرائيل.
ووفقا للصحيفة فان الخطوة تتماهى مع حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات من إسرائيل BDS محذرة من انهيار قطاع تربية العجول بشكل كلي بعد ان أصبح مربي العجول يدفعون ما معدله 300 شيقل شهريا على العجل الواحد لإطعامه وهو في مرحلة البيع وقد وصل إلى الوزن الذي يتحول فيه وجوده إلى عبئ على المربين.
وأضافت أن هذه تعد الضربة الأكثر إيلاما لهذا القطاع التي ستنعكس عليه بشكل مباشر.
كل ما ذكر، دفع نتنياهو الذي يواجه ملفات فساد خطيرة ويترقب قرار المستشار القانوني للحكومة لحسم مستقبله السياسي في ظل أزمة سياسية تتمثل في عدم قدرته على تشكيل حكومة في دورتين انتخابيتين متتاليتين، إلى تكليف منسق جيش الاحتلال في الأراضي المحتلة كميل ابو ركن بإدارة الملف واتخاذ الخطوات المطلوبة.
ابو ركن توعد السلطة بإجراءات عقابية وهددها بوقف إدخال المنتجات الزراعية الفلسطينية إلى إسرائيل في حال استمرت السلطة في قرارها بمنع استيراد لحوم العجول من إسرائيل.
وتمثل تهديدات أبو ركن رأس الجبل الجليدي من الموقف الإسرائيلي تجاه هذه الخطوة.
ويتضح ذلك بتصريحات الأخير والإدارة المدنية ووسائل الإعلام الناطقة بالعربية التي تعمل على الترويج للسياسات الإسرائيلية ومحاربة الرواية الفلسطينية بالإضافة إلى أطراف أخرى مرتبطة بهما شنت حربا لا هوادة ضد القرار وأغرقت الساحة بالشائعات والإخبار الموجهة والتي تقلل من أهمية الخطوة (رغم كل ما ذكر سابقا).
وتتمحور الشائعات حول أضرار الخطوة على السوق الفلسطينية وبأنها تخدم مستثمرين مقربين من اشتية ووزير الزراعة ولأسباب ربحية ذاتية عدا عن كونها غير عملية وستؤدي إلى ارتفاع أسعار لحوم العجول لان عملية الاستيراد ستخضع لإجراءات إسرائيلية مشددة وسوف تستغرق فترة طويلة زمنيا في الموانئ.
وتأتي الشائعات رغم تأكيد وزير الزراعة الفلسطيني رياض العطاري أن في أسواقنا احتياطي لثلاثة شهور.
الحملة الاعلامية وحرب الدعاية المترافقة مع اساليب التخويف والتهديد أدخلت السوق الفلسطيني في حالة إرباك وجعلت الحكومة ورئيسها في حالة تصدي للضغوطات الداخلية ودفاع مستمر عن القرار وشرح أبعاده وكونه واحد من جملة قرارات قادمة ستؤدي جميعها الى تقليل التبعية لإسرائيل وانفتاح أوسع على العالم العربي والخارجي وتعزيز المنتج المحلي ودعم المستثمر الفلسطيني.
وفقا لتلك المعطيات، يبدو أن هدف إسرائيل من خلق هذه البلبلة وتصدير الأزمة إلى السوق الفلسطيني عبر الدعاية والترهيب هو ردع حكومة اشتية وجعلها تفكر ألف مرة قبل أن تُقدم على أي خطوة يشتم منها رائحة أو بوادر انفكاك عن إسرائيل.
ولأن إسرائيل تدرك أن اتخاذ خطوات عقابية بشكل مباشر ضد حكومة اشتية سوف يعزز من قوتها إمام الرأي العام وتدفعه إلى الالتفاف حولها، لذا تجدها تلجأ إلى الأساليب الخفية والى استثارة أدواتها للتمهيد لمثل هذه الخطوات العقابية وجعل الرأي العام يحمل الحكومة الفلسطينية مسؤوليتها.
إن خطوة من هذا النوع ورغم إيجابيتها قد تجهض وتعتبر محطة اختبار لتوجهات الدكتور اشتية والخطوات التي يقوم بها للانفكاك عن الاحتلال تدريجيا وإجهاضها سيخلف حالة من الإحباط وردة فعل سلبية تجاه كل مسار المقاطعة والانفكاك عن الاحتلال.
المطلوب من حكومة الدكتور اشتية الاستمرار في سياستها وتعميقها وإعطائها بعدا شموليا وعدم إظهار أي خطوة على إنها منفردة ومعزولة عن سياقها العام والاستراتيجية الموحدة التي تنتهجها الحكومة، وبناء حالة من الثقة مع المواطن والتاجر الفلسطيني لقطع الطريق على الإدارة المدنية وأدواتها في إجهاض إي توجه مناهض للاحتلال.
amm