الرئيسة/  مقالات وتحليلات

من العراق إلى لبنان وأزمة الهوية

نشر بتاريخ: 2019-10-28 الساعة: 09:14

باسم برهوم هناك تشابه كبير بين الانتفاضات الشعبية في كل من العراق ولبنان، تشابه بالشعارات، وفي الأسباب، وأيضا بالظروف الموضوعية والذاتية. كلتا الانتفاضتين انطلقت ضد الفساد الذي يستفحل أكثر بسبب نظام المحاصصة الطائفي والمذهبي الذي صمم على أساسه النظام السياسي في كلا البلدين، فكعكة الثروة والناتج المحلي تتقاسمه الطبقة السياسية بحجة حصص كل طائفة من الثروة.
من حيث الشكل أو الظاهر فإن الفساد هو السبب المباشر لهذه الانتفاضات ولكن في الجوهر هناك أزمة هوية عميقة في البلدين، لذلك يحاول المتظاهرون تخطي هوياتهم الطائفية والمذهبية لصالح الهوية الوطنية الجامعة، فالأنظمة السياسية الطائفية لا تخضع نفسها لأي محاسبة ومساءلة حقيقية، كما لا قيمة حقيقية للانتخابات، ولا قيمة لدور المواطن في العملية الديمقراطية. كما يتشابه الواقع من حيث حجم التدخلات الخارجية بسبب هذا النظام الطائفي، بحيث تستقوي كل طائفة او مذهب بقوة خارجية لتحسين شروط وجودها في هذا النظام.
أزمة الهوية تقود إلى غياب التحكم بالقرار الوطني المستقل لهذين البلدين، وبالتالي القدرة على وضع سياسات وخطط تنهض بالبلد. وفي كلتا الحالتين العودة إلى الدكتاتورية أو هيمنة طائفة ليست هي الحل للخروج من الأزمات المستفحلة، الحل هو ببناء نظام سياسي يستند للهوية الوطنية الجامعة وليس للهويات والمحاصصة الطائفية، نظام ديمقراطي حقيقي تكون فيه الدولة، دولة لكل مواطنيها بشكل متساو ووجود حكومات منتخبة يمكن مساءلتها ومحاسبتها برلمانيا وشعبيا، والأهم أن تعود هذه الدول لبعدها العربي.
إمكانية الوصول لهذا الهدف هو أمر ليس قريب المنال فلا الظرف الذاتي ناضج تماما للتخلص من الطائفية والمذهبية والانتقال للهوية الوطنية. كما أن الظروف الموضوعية والإقليمية غير ناضجة في ظل اشتداد الصراع، الصراع بين القوى الإقليمية والدولية فوق الجغرافيا العربية وعلى حساب المصالح العربية. والأهم غياب مشروع عربي نهضوي تحرري يقود الى مثل هذه الحلول، التي تنهي أزمة الهوية وتحد من التدخلات الخارجية في الشأن العربي. هذا المشروع إذا لم ينطلق من المصالح العربية الحقيقية ونهضة الأمة، والأساس في كل ذلك هو العودة إلى التضامن في وجه الاطماع الخارجية والاستعمارية وبالتحديد التضامن في وجه المشروع الصهيوني وتمدده في المنطقة العربية، دون إغفال المشاريع الأخرى من دول اقليمية ترغب في استعادة أمجاد إمبراطوريتها القديمة على حساب العرب. وبغض النظر عن المدى الزمني، فإن الغلبة في النهاية، سواء كانت في لبنان أو في العراق، ستكون للشخصية الوطنية في كلا البلدين، فالوصفات الاستعمارية في لبنان منذ الاستقلال عام 1943، وفي العراق بعد الاحتلال الأميركي لها عام 2003 لا تمثل الا كابوساً للشعبين.

anw

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024