الرئيسة/  مقالات وتحليلات

أمزجة الشعوب

نشر بتاريخ: 2019-10-27 الساعة: 09:49

 حنان باكير للشعوب كما للأفراد أمزجة مختلفة، وطبائع تكتسبها من بيئتها، ومن ظروف طبيعية واجتماعية واقتصادية سائدة فيها. إذن ليس من قبيل المقارنة، بين شعوبنا العربية، وسلوكياتها في التعاطي، مع الأنظمة في انتفاضاتهم، هبّاتهم الشعبية، أو ثوراتهم لا أدري ماذا نسميها، وربما في لبنان، كان شيئا جديدا، أن يواجه الظلم بالفرح والمحبة.
في بيروت حظيت هبّة الشعب اللبناني، بتعليقات، ونكات وردّات أفعال مختلفة، في جميع البيئات العربية على اختلافها. وكانت في معظمها إيجابية. واعتبرت المرأة أيقونة تلك "الثورة"، بحضورها الطاغي والأنيق حتى الآن، ثم الموسيقى والأغاني والرقص. ما حدا بـ "يوتيوبر"، الى اعتبارها أجمل من حفلات الأعراس في بلاده، وناشد الدولة اللبنانية، أن تدفع لهذا الشعب حتى يستمر بالعيش في هذا الفرح! ردّات الفعل السلبية، كان مردّها الى ظهور راقصات شبه عاريات، اتضح أنها كانت سلوكا مفتعلا ومدسوسا، لغاية لا تخفى على أحد.
ليس غريبا على من عاش في لبنان، وخبر المزاج اللبناني، تلك الروح التي سادت التظاهرات وأجواء الغناء والموسيقى، إذ لا يتوانى اللبناني عن اغتنام أي فرصة، ترسم الفرح والابتسام على وجهه. وخلال الحرب التي شهدها لبنان، كان المرء يسمع في الحي الواحد، نواحا وصراخا على ميت، وعلى بعد أمتار همروجة عرس.
في حمأة التظاهرات، تعارف الشبان والصبايا وانتهوا بحفلات زفاف، وعروس بالأبيض تحمل العلم اللبناني. مشاهد الحب كانت جميلة، يستثنى منها الإباحية التي كانت مندسة، غايتها التشويه.
في مقدمته الشهيرة كتب ابن خلدون "إذا رأيت الناس تكثر الكلام المضحك وقت الكوارث، فاعلم أن الفقر قد أقبع عليهم، وهم في غفلة واستعباد ومهانة، كمن يساق للموت وهو مخمور".
من المآخذ التي أخذت على بعض المتظاهرين، استعمال بعض الألفاظ البذيئة، الخادشة للحياء، فعاب كثيرون استعمالها، مع مطالبة المذيعين للجماهير بتجنبها. لكن بعضهم برر الأمر ورأى فيها، شدة القهر والظلم والوجع والفقر، الذي يعاني منه الإنسان اللبناني.. وبعضهم رأى فيها أمرا طبيعيا، ما دامت هي لغة الشارع التي تتردد يوميا.. ومنهم من تقبلها ما دامت كتب التراث الأدبي والتراث الديني الفقهي، تحفل بما هو أشد وأقسى، مما ورد على ألسنة غاضبة..
فكتاب الأغاني يحفل بتلك الألفاظ، وكتاب البيان والتبيين للجاحظ، فيه زندقة في الدين والعقيدة. وكتاب العقد الفريد. والبعض يحاول كسر حدة وقعها على الأذن، باستبدالها ونطقها بلغة أجنبية، حتى باتت شائعة وعادية، ولا تخدش الحياء مثل نطقها بالعربية! على أي حال، يبقى موضوع استعمال تلك الألفاظ اشكالية، يدور حولها نقاشات طويلة. ففي روسيا تم حظر استعمالها في المسرح والأفلام وكتب الأدب.
في التظاهرات اللبنانية، سادت الأغاني الوطنية الى جانب النشيد الوطني، والدبكة. فمنذ الأزل لعبت الموسيقى والمارشات العسكرية، في زمن الحروب والأزمات، دورا هاما، في حياة الشعوب. فقد كانت النساء، يصاحبن الرجال في الحروب لإثارة الحماس في نفوس المحاربين، بالأغاني والأهازيج.
وكانت موسيقى فردريك شوبان، رمزا وطنيا لدى الشعب البولندي، الى الحد الذي دفع الألمان الى وضعها على اللائحة السوداء، في بولندا سنة 1941، خوفا من إثارة المشاعر القومية البولندية، خلال فترة الاحتلال النازي، فتقود للتمرد على وجوده.
بيتهوفن كتب سيمفونية لنابليون، باعتباره مجسدا لمبادئ الثورة الفرنسية، وحين أعلن نفسه امبراطورا، أزال بيتهوفن اسمه، أي نابليون، عن السيمفونية، وغير اسمها الى سيمفونية البطولة، وقد استخدمها الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، رمزا للمقاومة ضد الألمان. في تلك المرحلة شكّلت الموسيقى لغة للمقاومة، وإثارة المشاعر الوطنية، والثورة على أوضاع ظالمة، أو احتلالات خارجية.
وبالمرور على أغاني الثورة الفلسطينية، فقد لعبت دورا هاما في تأجيج الحماس، والمشاعر الوطنية، وساهمت في بلورة الهوية الفلسطينية، وتحول العديد من تلك الأناشيد الفلسطينية، الى أيقونات عربية تعبر عن الروح الوطنية لدى الشعوب..
من حقنا أن تراودنا الهواجس والمخاوف على لبنان وانتفاضته الحيّة. ومحقة مخاوفنا من انزلاق البلد الى ما لا يتمناه أحد لبلد الجمال.

anw

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024