نهاد المرعي.. ذكريات مسكونة باللوعة والوجع
نشر بتاريخ: 2019-09-15 الساعة: 16:56بيروت - وفا- لم تتوقف عن البكاء طيلة اللقاء.. فهي ما زالت مسكونة بتلك الأوقات العصيبة التي ارتكبت خلالها واحدة من ابشع المجازر في التاريخ الحديث في مخيمي صبرا وشاتيلا بلبنان، على أيدي قوات الاحتلال الاسرائيلي والميليشيات المتعاونة معها.
نهاد سرور المرعي، المسكونة باللوعة ورعب ما شاهدته، تحدثت بألم وحسرة عن فقدانها معظم افراد عائلتها في مجزرة صبرا وشاتيلا، وكيف تناثر دماغ شقيقتها الطفلة شادية، التي اكملت عامها الأول قبل شهور من المجزرة وفارقت الحياة وهي تنادي "ماما ماما..."
"حاولت أن احمي شادية والا ادع صوتها يلفت انتباه القتلة، بعد ان طلب الينا افراد الميليشيا التي اقتحمت الحي، ان نقف ووجوهنا الى الحائط، ولكنهم باغتونا بإطلاق النار، فقتل على الفور ابي وأشقائي شادي ونضال وفريد، واصبت أنا ووالدتي في الظهر، كما استشهدت جارتنا ليلى التي كانت حاملاً في الشهر التاسع". تقول نهاد.
وأضافت "قتلوا ليلى بطريقة وحشية ودون أن يرف لهم جفن، ولم يرأف بحالها وجنينها الذي كانت تحمله في احشائها التي بُقرت بالفؤوس وحِراب البنادق، وبقيت احضن شادية حتى توقف قلبها الصغير عن الخفقان، وفارقت الحياة."
استمر اطلاق النار في المخيم، وكان يسمع بشكل واضح صراخ الاهالي، وبكاء الاطفال، واستغاثات النساء، وأزيز الرصاص الغادر، فيما بدأت القنابل المضيئة تنير سماء المنطقة وكأن المسرح يُحضر للجريمة الكبرى.
تعود نهاد الى اليوم الذي سبق المجزرة: "كنا نجلس وبعض الجيران في منزلنا، وكان هناك شك لدى والدي وبعض الاهالي من ان شيئاً ما يحضر للمخيم والجوار، وكان الهاجس لدينا اننا اصبحنا مكشوفين بعد خروج الرئيس الشهيد ابو عمار والفدائيين من بيروت، وكان الانتظار صعباً لنشهد ما سيحصل في اليوم التالي، وكنا نسمع بين الفينة والأخرى اصوات الرصاص، ولكننا لم نكن ندرك بان القتلة قد بدأوا جريمتهم الموصوفة".
تنهمر دموعها مرة اخرى عندما تتذكر "شادية"، وكيف استمرت بالالتصاق بها، حتى موعد خروجها ووالدتها من المنزل والهروب الى مكان آمن. "مشيت انا ووالدتي في الازقة والحارات، نبحث عن ممر آمن يخرجنا من هذا الجحيم، وكنا نرى الجثث في الطرقات، واثار البطش والتنكيل بادية على اجسادهم، فوصلنا اخيراً الى مستشفى غزة، وكان المكان مكتظاً بالنساء والاطفال والشيوخ، والكل في حال انهيار مما شاهده من قتل وارهاب وهمجية بحق ابناء صبرا وشاتيلا والجوار".
تتابع نهاد: "تمت معالجتنا انا ووالدتي من الاصابات وخرجنا بعدها، لأنني لم اكن اريد ان ابقى لفترة اطول في المستشفى خوفاً من قدوم القتلة والميليشيات المجرمة لاستكمال جريمتهم، فذهبنا الى منطقة الفاكهاني، ومن ثم الى منزل خالتي في منطقة الظريف، حيث صدمنا بانها كانت تؤوي حوالي 20 فرداً من العائلة، بينهم شقيقاي ماهر واسماعيل، اللذان طلب منهما والدي قبل بدء المجزرة الخروج من المنطقة تحسباً لأي طارئ".
ظنت نهاد ان ماهر واسماعيل الذي استشهد لاحقاً في العام 1990، وشقيقتها سعاد، قد قتلوا في المجزرة، وفقدت الأمل بلقائهم مرة اخرى. اختبأ ماهر واسماعيل عند المفتي حسن خالد، واعتنى بهما ووفر لهما مكاناً آمناً، اما سعاد فقد اصيبت اصابات بالغة في قدميها، وفقدت القدرة على الحركة ثم اصيبت بالشلل بعد ذلك، وتعرضت للاغتصاب من قبل اكثر من مجرم، وتم نقلها خارج لبنان لتلقي العلاج، وما زالت تعيش في بلجيكا، وهي أحد الشهود الأحياء، على هول ما اقترفته الميليشيات المتعاملة مع اسرائيل بحق ابناء صبرا وشاتيلا.
عند سؤالها عن رأيها عن السبب وراء ارتكاب المجازر بحق ابناء شعبنا منذ دير ياسين وكفر قاسم، مروراً بتل الزعتر وصبرا وشاتيلا، ترد نهاد: "اولاً وقبل كل شيء انا على يقين بأن العدالة الالهية واقعة لا محالة، يريدون كسر عزيمتنا وارادتنا لينتزعوا الاستسلام منا، ونتنازل عن حقوقنا الوطنية، يريدوننا ان نسقط حق العودة ونبقى مشردين في الشتات بعيداً عن ارضنا ووطننا، ولكنهم واهمون، فنحن شعب لا يعرف الاستسلام، ولا يتنازل عن ارضه وعرضه وكرامته، ومهما ارتكبوا من جرائم بحقنا، فسنبقى متمسكين بفلسطين، وسنسلم الراية لأبنائنا ليكملوا المسيرة والنضال".
قدرت المنظمات الإنسانية والدولية عدد الشهداء في مجزرة صبرا وشاتيلا، بينهم كثير من اللبنانيين وبعض العرب وغالبيتهم من الفلسطينيين (وفق شهادة الكاتب الأمريكي رالف شونمان)، ما بين الـ 3500 إلى 5000 شخص، من أصل 20 ألف نسمة كانوا يسكنون المخيم وقت حدوث المجزرة.
بينما لفتت الكاتبة والباحثة بيان نويهض الحوت في كتابها (صبرا وشاتيلا - سبتمبر 1982)، الى أن عدد الضحايا بلغ 1300 على الأقل، حسب مقارنة بين 17 قائمة تفصل أسماء الضحايا ومصادر أخرى، مشيرة في الكتاب ذاته، إلى أن حوالي 484 من الضحايا، لا يزالون بحكم المخطوفين أو المفقودين ولم يعد أي منهم حتى الآن.
في حين اكد الصحافي البريطاني روبرت فيسك، أن أحد ضباط الميليشيا المتعاملة مع اسرائيل، الذي رفض كشف هويته، قال: "إن أفراد الميليشيا قتلوا 2000 فلسطيني".
أما الصحافي الإسرائيلي الفرنسي أمنون كابليوك، فقد قال، في كتاب نشر عن المذبحة: "إن الصليب الأحمر جمع 3000 جثة".
وكان قد سبق المجزرة، حصار إسرائيلي للمخيمات الفلسطينية، انتهى بضمانات دولية بحماية سكان المخيمات العزل بعد خروج الثورة الفلسطينية من بيروت، لكن الدول الضامنة لم تف بالتزاماتها، وتركت الأبرياء يواجهون مصيرهم عزّلاً.
يشير الباحث والكاتب نعوم تشومسكي، إلى أن الولايات المتحدة "غدرت بالحكومة اللبنانية والفلسطينيين حين أعطت الطرفين ضمانات بسلامة الفلسطينيين بعد مغادرة الفدائيين بيروت، حيث أن القوات الأميركية انسحبت قبل أسبوعين من انتهاء فترة تفويضها الأصلية، بعد الإشراف على مغادرة مقاتلي منظمة التحرير وقبل أن توفر الحماية للسكان المدنيين".
m.a