أشجار تتألم إلى محمد بركة
نشر بتاريخ: 2019-09-10 الساعة: 10:01عبدالله عيسى
هو ذاتهُ !
من يقتفي جيرانه العميان ظل الضوء بين يديه حتى يسرقوا زيت السراج ،
و يزرع الزيتونَ فوق سريره كي يكلأ المشكاة من طراق منتصف الليالي .
لا يعانق نخلة إلا ليروي ما أسرت جثة الماضي لأحفاد الغزاة الخارجين من الأساطيرِ القديمة بين سهل مؤاب والسور الذي هرمت ظلالهُ في أريحا،
أو يصادق نملةً هبطت من الجبلِ المجاورِ ،
حيث كان العابرون يقلدون مزاجَ نسوتنا بتطريز الممالك بالحجارة ذاتِها والطينِ ، إلا كي يعلّمها فنونَ الصبر كاملة ، وحكمةَ أن تصدّق قلبها بين الجحافل.
كل شيء سوف يمضي .
ذاته
من يهتدي في بيته ، ذاك الذي أرقتهُ في شفاعمرو جمارُ الذكريات ،
إلى روائحِ كرمِ صفوريّةَ الأولى ،
ويندر أن يجادلَ خوف سجانيه من فرط ابتسامته الأخيرة في انتظار زيارة أخرى لزوجته التي ستعودُ بعد زيارةٍ أخرى لسجن ابنيهما في لجّة الصحراءِ .
- للأفكارِ أجنحةٌ
، تقولُ له ،
-كما للأرضِ طعمُ الميرميّةِ في وصايا الأمهاتِ
، يقولُ ،
- يوجعني بسجنهما العدوّ .
ويكتفي بعناقها كي لا يمرّ الوقت بينهما سدى.
-كلّ النهارِ يضيقُ دونكٍ بي ،
وليسَ هناكَ في كل الليالي أيّ متسعٍ لحلمينا
أنا الآتي إلى غده
وسجّاني الذي يمضي إلى أسفارِه الأولى ،
ولا يتوقّفُ الأمواتُ فيها عن تعاطي مهنةَ التحديقِ في سرّ الشعاعِ المطمئِنّ على نوافذِنا ، ورميِ جذوعِهم ْكروائحِ الغرباءِ في الطرقاتِ،
فيما يتتهي من حيث يبدأ.
كل شيء ..
فلنعُدْ خلف الطفولةِ كي نرى الشمسَ التي وقفت لترعى ظلّنا ينمو على جنَباتِ سهلِ الحولةِ ،
الأرضَ التي صعدتْ إلى أسمائِها كي تختلي مثلي بخالقِها ، فتشكو قاتلي لقيامتي بين الشواهدِ.
كلّ شيء سوف يمضي مثله
ما جئتُ إلا كي أعود مبشراً بصواب محراثي ومزماري ،
وألقي بينكم ألمي سلاماً طيبا.ً
هو ذاته!
من كلما ناديتَهُ من جانب الطور اهتدى الوعل الشريد إلى أصابعه ،
فآنس في مخيّلة الذئاب طرائد الشعب المجاور في إشاعات الرواة،
ومن إذا نودِي يعود إلى الرواية كي يرى أبطالها يتفقّدونَ ظلالَهم في الليل فوق سلالم بقيت تدل على بيوتهم القديمة .
قد يكلّمُ فوقَ قلعةِ ديرِ حنّا أو هضابِ قلنديا نجومَ الرعاةِ
، مصدّقاً ببراءة المعنى ،
وينسى وجهَهُ القُرويّ في مرآة سائحة تصدّق أن نعمة مريم العذراء في أيقونة في بيت لحمَ تنير أبراج السماء ،
وقد يعانق في رحاب المسجد الأقصى الحجارة عل إحداها رأت قدم النبي ،
ولا يكلف نفسه إلا بما وسعتْ من الحسنى وقول الحق بين جنازة وتلاوة السور القصار .
وقدْ يشارك زوج جارته المهاجر ، عالمِ الفيزياء نصفِ الملتحي كأسير بابل ، خوفه من هزة أرضية في فرن ديمونا المحاذي ، أو هولوكست جديد بين غفرانين ، يفسد نومه،
فيما يواري نبتة الزعرور تحتَ قميصه الوردي عن مستوط يستدرج القتلى إلى أنسابهم .
لا شيء يجعل جوقة الأمواتِ يبتسمون لي إلا التذكر .
كلّ شيء سوف يبقى
غيرَ أن رطانةَ الغرباء تصدأ فوق أسوار المدينة ،
والقرى هرمتْ كثيراً بعدَنا،
والزيزفون على ضفاف النهر مال كمن يعانق ركبتيه خائفا ،
لاشيء يبقى
بينما تتأوه الأحراش .
ليست تلك كفّ الله ،
بل يد عابر تلهو بحبر الوحي في الجرس الذي ربّيته في عنق شاتي .
ليس هذا صوته ،
بل نجمة تترصّدُ النهرينَ تضرب بالعصا ظهرالبحار لتوقظ الأشباح في البئر القديمة ،
والملوك المائلين على المزاميرِ التي ورَدت مثلّمة باهات الضحايا في كلام المرسلين، وسيرة الصبار في أنحاء أرضي .
كلّ شيء سوف يمضي
بينما أبقى
أغني للسنونو كي يعود إلى قرانا مطمئناً ،
للحصى في النهر كي ينمو ،
لسيّدة تطوف ممالك النحل القديمة في الجبال لتطمئن على مصير الزهر في حاكورة البيت القديمِ ،
لدمعة ذبلت على خد ابنة الجيران تجرحني .
كأني لم أكن أرعى خراف سواي من مكر الذئاب ،
ولم أقاسم ما تبقى من شعوب جاورتني الملح والينبوع ،
لم أحمل صليب القانطين من الخطايا ،
ما ملأت سلال أبناء السبيل بحنطتي .
وحدي
أرى في ذكريات الآخرين يدي التي سرقت حياتي .