الرئيسة/  تقارير

الصورة والوداع الأخيران

نشر بتاريخ: 2019-08-27 الساعة: 16:08

رام الله - وفا- قبل أن تغادر آمنة عطا مكانها، طلب منها ابنها أسامة (19 عاما) أن تقف في مكان بالقرب من قبة الصخرة، ليأخذا صورة معا. وما أن انتهيا من ذلك، ودعت ابنها، ورحلت، على أن يعود هو الآخر بعد الانتهاء من أداء صلاة التراويح.

عادت آمنة إلى قريتها، دير أبو مشعل شمال غرب مدينة رام الله، لكن أسامة لم يعد. فقد تبين أنه استشهد واثنين آخرين، بزعم محاولتهم تنفيذ عملية طعن في القدس المحتلة. كان ذلك في العام 2017، ومنذ ذلك الحين وسلطات الاحتلال تحتجز جثمان الشهداء الثلاثة في ثلاجاتها.

لم تكن آمنة تعلم أن تلك الصورة، ستكون آخر صورة تلتقط لهما، وأن ذلك الوداع سيكون الوداع الأخير.

ومنذ ذلك الوقت والحاجة آمنة (51 عاما) لا تكف عن الحديث عن تلك الصورة، تروي حكايتها لكل من تراه، بل ونسخت عنها نسخا وعلقتها على جدران المنزل، ولا تستطيع النوم إلا بشرط أن تكون الصورة معها.

اليوم كانت آمنة واقفة بين حشود من المواطنين وسط مدينة رام الله، للمشاركة باليوم الوطني لاسترداد جثامين الشهداء، والذي يصادف الـ27 من آب/ أغسطس من كل عام، وهي تعلق الصورة على ثوبها الأحمر المطرز.

"قضيت اليوم بكامله مع أسامة قبل استشهاده في المسجد الأقصى المبارك، وكان موجودا هناك، حيث كان معتكفا في المسجد، كنت فرحة جدا، ونحن نجوب الساحات، وتحدثنا في مواضيع كثيرة، وتمازحنا، وضحكنا، وبعد الانتهاء من صلاة العصر طلب مني أن أعود للقرية قبل اشتداد أزمة المواصلات، وأخبرني أنه سيعود بعد أداء صلاة التراويح، لكنه لم يعد"، قالت آمنة.

وتابعت "كل هذه التفاصيل الجميلة موجودة في الصورة التي بحوزتي، لم أتركها يوما واحدا. كلما نظرت اليها أتذكر المشاهد الجميلة والضحكات التي تبادلناها ونحن في المسجد الأقصى، وكل التفاصيل الصغيرة التي مرت ونحن هناك".

وأضافت: "قمت بعمل عدة نسخ للصورة، وعلقتها في المنزل، في كل زاوية من الزوايا أراه. كيف لا وهي تعني لي الكثير، فهي الصورة الأخيرة لنا".

وقالت إن أسامة الذي كان يعمل نجارًا في إحدى القرى المجاورة، لم يغب يومًا عن ذهنها، في نهارها وليلها، وفي كل لحظة.

وتابعت، "أنتظر بفارغ الصبر اللحظة التي أرى فيها أسامة، شعور صعب أن تنتظر ابنك الشهيد لسنوات، لتحتضنه، وتقبله، وتلقي عليه نظرة الوداع، وتدفنه وفقا للأصول وللأعراف الدينية، والإنسانية، دائما ما أفكر كيف سألاقيه إذا أفرج عن جثمانه، برد الثلاجة صعب جدا وموجع، ولكن أتمنى أن أراه".

وعن أسامة قالت، "أسامة شاب متواضع، محبوب ومعروف لدى الجميع. هو دائم الابتسامة، مرح وضحوك، ويحب الناس، ويساعد أهله في أعمال البيت، وملتزم في صلاته، وقليل الكلام، ولا يتضايق أحد من وجوده".

وأشارت إلى أن "احتجاز الجثامين يعد عقابًا جماعيًا، وهو جريمة تضاف لسلسلة من جرائم الاحتلال، ومن أبشع أنواع التعذيب، ومن أبشع الجرائم".

m.a
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024