الرئيسة/  مقالات وتحليلات

عالم تلفه رائحة البارود

نشر بتاريخ: 2019-08-04 الساعة: 09:47

باسم برهوم نحن نعيش بالفعل في عالم تلفه رائحة البارود، فلا يكاد يمر يوم دون ان نصحو على خبر يتباهى به اصحابه بتطوير سلاح أكثر فتكا مما يملكه الخصم. لذلك لم يكن مفاجئا ان نسمع انسحاب واشنطن من معاهدة الصواريخ المتوسطة التي وقعها عام 1987 كل من الرئيس الامريكي دونالد ريغان والسوفياتي آنذاك ميخائيل غورباتشوف.
العالم عمليا ومنذ أكثر من ثلاث سنوات يعيش سباقا محموما للتسلح، هذا السباق لا تعكسه فقط الاخبار المتسارعة في مجال تطوير الاسلحة، صواريخ وطائرات وغواصات وحاملات طائرات وقنابل أكثر فتكا، وانما الأرقام والميزانيات هي ايضا مؤشر على هذا السباق فقد زاد الانفاق العالمي على التسلح في عام 2018 بنسبة 4.5% ليصل الى 1780 مليار دولار.
نحن باختصار في خضم حرب باردة جديدة ستسهلك طاقات واموال الحضارة الانسانية في التسلح المدمر بدل التنمية ومواجهة تحديات المناخ والبيئة والفقر ونقص المياه العذبة، وبدل انفاقها على التعاون والابداعات الانسانية في مجالات العمران والفنون والادب وتنشأة اجيال أكثر تعايشا وفي اجواء من السلام والتعاون.
لقد شكل سباق التسلح بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق، والحروب بالإنابة والصراع الأيديولوجي سمة الحرب الباردة التي بدأت مع انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى مطلع تسعينيات القرن العشرين. انتهت تلك الحرب بانهيار الاتحاد السوفياتي ومعسكره الاشتراكي ليس عسكريا وانما اقتصاديا. فسباق التسلح الذي فرضه الغرب في حينه كان احد اهم الاسباب التي انهكت اقتصاد الاتحاد السوفياتي وادت في نهاية الامر لانهياره وتفككه.
يبدو ان التاريخ يعيد نفسه ولكن بصورة أكثر رعبا فما نسمع ونقرأ عنه من أسلحة يتم تطويرها هي كفيلة بتدمير الحضارة الانسانية. والخطير في سباق التسلح هو هذا العدد الكبير من الدول الكبرى المنخرطة فيه فإلى جانب روسيا والولايات المتحدة هناك الصين وبريطانيا وفرنسا ودول اقل كبراً مثل تركيا وإيران وإسرائيل والكوريتين وعدد اخر من الدول.
مقاييس ومعايير سباق التسلح الجديد مختلفة عن تلك القديمة، فسباق التسلح الامريكي السوفياتي كان يتركز حول ميزان الرعب النووي من قنابل نووية وصواريخ بعيدة ومتوسطة المدى وطائرات يمكنها حمل القنابل النووية، كما شمل الفضاء ولو بشكل محدود السباق الحالي هو سباق التكنولوجيا المتطورة جداً للسيطرة على الارض من الفضاء. ويكفي ان نشير هنا الى ان 41% من الاقمار الصناعية التي تدور حول الارض هي للولايات المتحدة الأمريكية وإنها تمتلك أكثر من غيرها للتكنولوجيا الاكثر تطورا في هذا المجال، لذلك تعتقد انها ستنتصر مرة أخرى في سباق التسلح الجديد، خصوصاً انها تمتلك ايضاً الاقتصاد الأكثر قوة وتفوقا في العالم.
في مطلع السبعينيات حاول الرئيس الامريكي نيكسون وقف عجلة سباق التسلح او لجم اندفاعها المجنون ووقع مع الاتحاد السوفياتي معاهدة (ستارت- 1) للحد من الاسلحة الاستراتيجية عام 1972 وتبعتها معاهدة (ستارت- 2) عام 1979, وانتهت سلسلة المعاهدات بتوقيع اتفاقية الصواريخ متوسطة المدى المشار اليها عام 1987، التي انسحبت منها واشنطن الجمعة الماضي.
ملخص الحديث نحن نعيش في عالم يغيب عنه العقل وتعمي ابصاره الصراعات الانانية على المصالح واوهام الانتصار على الاخر والسيطرة على العالم. انه واقع مخيف ومن حقنا ان نرى حجم الشر الذي فيه، وان نحذر منه وان ندعو الى تجمع دولي يعيد لهذا العالم عقله وضميره وانسانيته، عالم يهتم بمستقبل كوكب الأرض ووجودنا عليه.

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024