سعاد العامري تُخرج دمشقها من قمقم الذاكرة!
نشر بتاريخ: 2019-07-24 الساعة: 09:29رام الله- الايام- "كتاب دمشقيَ قد يكون الكتاب الوحيد الذي اشتغلتُه بعقلية المعمارية، حيث استعنت بدفتر اشتمل على إسكتشات وشخوص وأسهم وإشارات ذات دلالات معينة، ومن يشاهد هذا الدفتر سيدرك أن معمارياً هو من يكتب الرواية" .. كان هذا شيئاً مما قالته الكاتبة والمعمارية والباحثة د. سعاد العامري عن روايتها الجديدة "دمشقيَ"، الصادرة بترجمتها العربية حديثاً عن منشورات المتوسط في إيطاليا، وبطبعة خاصة بفلسطين ضمن مشروع "الأدب أقوى" ما بين "المتوسط" و"الرقمية"، وأطلقتها في مقر مؤسسة عبد المحسن القطان بمدينة رام الله.
وكشفت العامري أن ما حدث ويحدث في سورية منذ العام 2011 شكل دافعاً لكتابة هذه الرواية، وأن ناشرها الإيطالي لكتبها التي تنشر بالإنكليزية، كان وراء خروج "دمشقيَ"، الذي اكتشف بوادره في كتابها الأول "شارون وحماتي"، والذي صنفه البعض على أنه رواية، حيث لفته ذلك الوصف للقاء والدي القادم من أسرة ليست ميسورة الحال بوالدتي في بيروت، وتردده في إتمام الأمر عند دخول منزل جدي الفاخر، كما تحدثت قليلاً عن خالاتي وأخوالي، ومنذ ما يقارب خمسة عشر عاماً، والناشر يصرّ على أن ثمة رواية ما يمكن أن تخرج من هذا المشهد.
وأضافت: أتذكر أنه قال إنه يرى انطلاقاً من ذلك رواية عن دمشق، ولابد أن تكتبها وينشرها، ولم يشجعني على إجراء لقاءات مع خالاتي ومن عايشن تلك الفترة.. طلب مني الجلوس والكتابة، وشدد أنني سأتفاجأ مما أستعيده من ذاكرتي الشخصية، وهذا ما كان بالفعل.. بطبيعة الحال تصرفت في وضع لمسات ما على بعض الشخصيات، من تغيير أسماء وما شابه، وما أدهشني أن الكتابة أخرجت من ذاكرتي قصصاً لم أكن لأتذكرها لولا بدأت بـ"دمشقيَ".
ولفتت العامري بتلقائيتها المحبّبة إلى أنها تكتب بالإنكليزية، ليس لأنها قررت ذلك، بل لأنها "كاتبة بالصدفة"، وكان ذلك عبر "شارون وحماتي" الذي انطلق من فكرة تجميع رسائل البريد الإلكتروني التي كنت أرسلها بالإنكليزية وقت اجتياح الضفة العام 2002 كنقطة ارتكاز، ونشر الكتاب، وتلاه آخر بالإنكليزية فضلت ألا أكتبه بالعربية ومن ثم تتم ترجمته، ومع الوقت "استسهلت الكتابة بالإنكليزية"، ولكن رغم ذلك، أنا متأكدة وعلى قناعة تامة بأنني، ورغم كل الكتب الصادرة لي بالإنكليزية، فإنني أكتب بالعربية بشكل أفضل، لكن ما يميز الكتابة بالإنكليزية أن الحكاية هو الأساس، وليس اللغة، على عكس الكتابة بالعربية تماماً، وهذا أسهل بالنسبة لي كوني معمارية في الأساس.
وحول ما إذا كانت روايتها هذه "نسوية"، أجابت العامري: لاحظ ناشري هذا الأمر، ولكنه نابع لكون الشخصيات المحورية والمؤثرة في العائلة جميعها شخصيات نسوية، خاصة خالتي سعاد قصيرة القامة، هي صاحبة القرار حتى في أدق التفاصيل، فهي الحاكمة الفعلية للمنزل، وهي صاحبة القرار في تفاصيل حياتنا اليومية، وباستثناء جدتي، كان تأثير نساء منزل جدي في دمشق طاغياً، خاصة فاطمة.. المرأة في مسيرة "بيت جدي" كان حضورها طاغياً للغاية، وهذا انعكس في الرواية، فهو كتاب "نسوي" من حيث لا أدري.
وتتحدث العامري بشكل أو آخر عن سيرة ذاتية من نوع خاص، حيث تمزج ما بين حكايات جدتها وجدها وخالتها وحكاياتها، ما بين سورية وفلسطين وبلدان عربية أخرى، كاشفة عن تفاصيل شكلت حكايات بحد ذاتها، كابنة خالتيها "المتبنّاة" فاطمة، وخالها "الأسود" ذي الملامح الأفريقية، و"الهدية" التي هي أمة بالأساس، متحدثة عن العبودية في منزل الجد، وغيرها من التفاصيل التي حتى هي لا تدرك ماهية الحقيقي أو غير الحقيقي منها.. وقالت: ما يعلق في الذاكرة، رغم مرور الزمن، ورغم كثير الحكايات، هو ما يستحق أن يكون حدثاً محركاً لرواية ما، وبطبيعتي تغلب عليّ طبيعة الحكواتية، وهذا ينعكس في كتاباتي .. كل كتابة تحمل في الغالب قدراً ما من السيرة الذاتية، وهذا صحيح.
وشددت العامري على أن "دمشقيَ" مختلف عن كتبها الأخرى، فـ"كتبي السابقة كانت تتناول الحياة اليومية في فلسطين تحت الاحتلال، وكانت في مجملها حكايات قصيرة يرطبها زمن ما أو حدث ما أو مكان ما، لكن هذه الرواية هي عن دمشق التي ولدت فيها، ولعبت دوراً كبيراً ومحورياً في حياتي أدركته عندما كبرت، وربما أصبحت معمارية بسببها.. رواية دمشقيَ أخذت وقتها في إعادة القراءة والمراجعة والتدقيق، فشكل نقلة على مستوى الموضوع، وعلى مستوى آلية الكتابة بالنسبة لي.. وحتى اليوم أشعر بأنني حكواتية أكثر من كوني كاتبة".
وتناول الحديث الشيّق للعامري عن روايتها التي ترجمها عماد الأحمد، وراجعها وحررها عارف حجاوي وزياد عبد الله، عديد التفاصيل التي قد تغني قراءة "دمشقيَ"، التي جاء على غلافها الخلفي "ثمة تنافسية في هذه الرواية بين الشخصي والتاريخي والعائلي والخيالي، من دون أن يسود أحدها على الآخر، فالسرد فيها يتناوب على تقديم حيوات مترامية في دمشق بدايات وأواسط القرن العشرين، تضعنا أمام نسيج حي من المصائر، والقول إن الشخصيات فيها من لحم ودم ليس بتوصيفٍ وافٍ، إذ إن حجارة دمشق وبيوتها وأزقتها وحاراتها من لحم ودم أيضاً، فهذه الرواية تعيد تعريف التوثيقي، وتشخصن التاريخي، وتستخلص المتخيّل من بين جدران قصر البارودي، كما لو أنها تطبق على دمشقها متلبسة بأحداث عائلة مصيرية متداخلة مع تواريخ مفصلية".
إنها رواية "عن بسيمة الفلسطينية، ورحلتها إلى دمشق جراء زواجها من نعمان البارودي الدمشقي، وفلسطين التي جاءت منها لا تغيب إلا لتظهر في أرجاء الرواية، كذا هي سلاسة هذا الزواج: البنات، والأبناء، والحفيدات، والأحفاد، ولتكون مآلات هذه الأسرة البرجوازية الشامية العريقة، وما ألمّ بقصر البارودي معادلاً لدمشق، عاصمة بلاد الشام، وتحولاتها، وكشّافاً لفصل من فصولها" .. وإن "كانت سعاد العامري تسرد الماضي، فإنها تضعنا أمام أسئلة عن الحاضر، وربما عن المستقبل".
amm