الرئيسة/  مقالات وتحليلات

وزارة الحقيقة

نشر بتاريخ: 2019-06-24 الساعة: 01:29

رامي مهداوي الشائعات قديمة قدم التاريخ البشري، ولكن مع ظهور الانترنت ووسائل التواصل الإجتماعي المختلفة يتم  تداول الشائعات في كل مكان. في الواقع نحن الآن_كمجتمع فلسطيني_ غارقين في الشائعات ولم نعد نُميز بين المعلومة الحقيقية والمعلومة المراد بها تشويه الحقائق.

الأكاذيب التي يراد بها التشويه تفرض ضررًا حقيقيًا على الأفراد والمؤسسات، وغالبا ما يقوم الضحية بالرد من خلال التوضيح، الإستنكار، بالتالي من لم يكن يعلم سيعلم من خلال توسيع دائرة الردود والمناكفات مما يجعل من أغلبيتنا عبارة عن أداة لتناقل الإشعات كلٌ حسب طريقته التي يختارها والجهة التي ينحاز لها.

ومع تطور الأداوات والبرامج التكنولوجية في عالم الإعلام، أصبح تزوير الحقيقة من خلال برامج متخصصة تقوم بتغيير الصورة، الكلمة، الصوت، المضمون، بطبيعة الحال سيؤدي ذلك الى تعزيز هدف من يريد تشويه الحقائق بما يتلاءم مع أهدافه. ومن زواية أخر أدى ضعف المؤسسات المختصة في المُساءلة والمُحاسبة والمُحاكمة الى ضياع الحقيقة التي نبحث عنها كمواطنين، ليؤدي ذلك الى فقدان الثقة بكُل ما هو محيط بالعمل الحكومي والمجتمعي!!

الصحفي والروائي البريطاني "جورج أورويل" في روايته "1984" التي نُشرت في الثامن من يونيو/حزيران عام 1949  يقول "في زمن انتشار الكذب يصبح قول الحقيقة فعلا ثوريا. بالتالي هل الحقيقة هي ما يتم تداوله بين المواطنين؟ أم هي صناعة الأنظمة والسلطات المختلفة؟ أم هي ما يتم اعادة صياغته من أجل أهداف متعددة تخدم أصحابها وتشوه الحقائق!!

"وينستون سميث" بطل هذه الرواية الإستشرافية_ "1984"_ يعمل في "وزارة الحقيقة"، ھذه الوزارة معنیة بصناعة الاخبار الزائفة والاكاذیب والتضلیل من خلال اللھو والتعلیم والاحتفالات وھي وزارة لا تمت إلى الحقیقة بصلة، بل مھمتھا ھي خلق الأخبار غیر الحقیقیة وقلب الحقائق ورسم الانتصارات الوھمیة للأخ الأكبر.

مهمة سميث في هذه الوزارة هي إعادة صياغة الماضي، ورغم ذلك یخضع للرقابة من الدائرة المحيطة به، من آلات الرصد التي تلاحقه في كل مكان... المنزل، الشارع وفي العمل اضافة الى رقابة أعيُن الجيران والاصدقاء وأقرب المقربين له.

ما يحدث في مجتمعنا الفلسطيني في الأسابيع الماضية من حالة تدمير ذاتي بسبب تراشق الإتهامات وذبح ذاتنا بأيدينا سواء على الصعيد الفردي أو المؤسساتي؛ يجعلني أقف أمام تلك الرواية من منظور مختلف بأنه ليس فقط الأنظمة الحاكمة من تقوم في عملية محو الحقائق أو كشفها بما يتواءم مع مصلحتها العليا.

بل أن هناك عمل منظم تقوده أيدي خفية أفراد أو/و جماعات متمثلة على شكل تنظيمات سياسية ودينية وتجارية وأصحاب مصالح يعملون على تهييج المشاعر؛ من أجل تسريع إدخالنا الى متاهات جديدة بواسطة الدعاية، تزوير الحقائق، الكذب، تلفيق الأخبار، وتوجيه بعضها وفق ما يخدم مصالحهم، بهذا تتماهى الحقائق المتنوعة مع الكذب، بحيث يصبح التمييز بينهما مستحيلاً، لأن المطلوب هو تشويه الرؤية الحقيقية لما يحدث في مجتمعنا وانعكاسه على قضيتنا بحيث تصبح الرؤية مُعتمة، وفي سبيل ذلك ينشرون السراب والضباب والأفكار المضللة البعيدة كل البعد عن الواقع"تدمير كل قدرة على التمييز بين الحقيقة والكذب، بين الخيالي والواقعي".

 

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024