الرئيسة/  مقالات وتحليلات

"إعلان موسكو" الموؤود في معبر كرم ابو سالم

نشر بتاريخ: 2019-02-14 الساعة: 10:24

موفق مطر قبل أن يجف حبر توقيع ممثليهم على (اعلان موسكو)، سارع عسكر حماس إلى وأده في معبر كرم ابو سالم التجاري على حدود فلسطين المحتلة مع مصر. علما انه المعبر التجاري الوحيد في قطاع غزة، الذي تمر من خلاله البضائع والمواد الغذائية والتموينية ومواد البناء والمحروقات ومستلزمات طبية وأدوية لأهالي غزة.. ثم تراهم يحشدون للصراخ والعويل على ايقاع "الحصار"!!.
مشايخ وامراء الاخوان المسلمين فرع فلسطين (حماس) الذين لم يحترموا قسمهم في الحرم المقدس بمكة في 8 شباط 2007 والحقوه بعد حوالي مئة وعشرين يوما بانقلاب مسلح دموي في 14 حزيران من ذات العام، لم ولن يحترموا توقيعهم على بيان وقعوه في ليلة باردة في العاصمة الحمراء (موسكو)!!.. فقد ابتدأ عسكرهم منذ طلوع اول شمس على ميلاد الاعلان حملة على موظفي السلطة الوطنية الرسمية الشرعية في معبر كرم ابو سالم التجاري، ومنعوهم من الوصول الى أماكن عملهم، ليس هذا وحسب بل حاولوا اخذ بصماتهم على أوراق معدة سلفا، والسؤال هنا هل طلبت منهم اجهزة امن دولة الاحتلال اسرائيل تزويدها ببصمات الموظفين الرسميين الشرعيين، الى جانب قوائم بصمات يرفعها عسكر حماس لهم بعد مرور (الحقائب المليونية) الممهورة بختم دخول احتلالي اسرائيلي. 
رئيس مكتب سياسة حماس إسماعيل هنية كان قد صب (الزيت الزلق) على طريق موسكو يوم أول أمس الثلاثاء وقبل المؤتمر الصحفي لوزير الخارجية الروسي لافروف بحضور ممثلي الفصائل الفلسطينية، فأمير الجماعة في غزة وفي لقاء استضافته صحيفة المصري اليوم المصرية حرص على وضع نفسه ندا لرئيس الشرعية الفلسطينية، رئيس دولة فلسطين، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية، وحاول التعمية على كونه رئيس الجماعة الخاطفة لغزة تحت تهديد السلاح عندما قال:" أرحب بلقاء الأخ أبو مازن ومستعد للاجتماع معه فى القاهرة اليوم قبل الغد، أو أن يأتي إلى غزة فهى جزء من وطنه"، فبدا كمن كان يحلم بانجازات سياسية نوعية لجماعته يحصدونها من دوحة الكرملين بموسكو فاذا بهم لا يفوزون الا بحزمة قش!!.
هي حزمة قش بالنسبة لهم لأنهم ذهبوا الى موسكو وفي اعتقادهم انها ستكون البوابة التي قد يعودون منها الى العاصمة السورية دمشق كحد ادنى، فخاب ظنهم مرتين، الأولى بعد فشلهم في تحقيق ما تهيأ لهم أنه سيكون (فتحا) سياسيا غير مسبوق في تاريخ الجماعة، عندما عملوا واستماتوا على أن تستقبلهم موسكو منفردين، دون بقية الفصائل الفلسطينية، والأخرى عندما تلقوا رفض دمشق التي ادركت باليقين الفارق بين من كان وظل وفيا لوطنيته الفلسطينية وعروبته وانتمائه القومي، وبين من بادر للغدر عند اول فرصة سنحت له، حتى انه ذهب الى حد مقاتلة اليد التي اعطتهم ما لم يعط لأحد قبلهم!!
حزمة قش لأن البيان الصادر اثر انتهاء الاجماعات تحت عنوان اعلان موسكو يحمل في مضمونه نقاط الاجماع الفلسطينية، وهي في حقيقة الأمر ليست جديدة وانما صياغتها وتوقيتها هما الجديدان، فالاعلان أكد تمسك المجتمعين بالتنفيذ الدقيق والأمين لكل الاتفاقات والتفاهمات التي وقعتها القوى والفصائل الفلسطينية، بدءا من اتفاق إعلان القاهرة 2005 وانتهاء باتفاق 12/10-22/11/2017، وهذا ما لا تريد حماس تنفيذه وعملت المستحيل للامتناع عن تنفيذه حتى لو كان السبيل الى ذلك تفجير موكب رئيس حكومة الوفاق الوطني.
حزمة قش لأن اعلان موسكو اكد على وحدة الأراضي الفلسطينية ورفض أية مخططات تستهدف فصل قطاع غزة عن الضفة بما فيها القدس، وعلى ضرورة إنهاء الحصار الإسرائيلي الظالم لقطاع غزة.. لكن حماس تعمل على تعميق جذور انقلابها والانتقال به الى مرحلة الانفصال والسيطرة الادارية الكاملة، واحدث دليل ما فعلوه في معبر كرم أبو سالم التجاري الفلسطيني !!.
حزمة قش لأن إعلان موسكو أكد على وحدة الشعب الفلسطيني إزاء القضايا الجوهرية وفي مقدمتها إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على كامل الأراضي المحتلة عام 1967، وضمان حق العودة على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومبادئ القانون الدولي.. ما يعني التزام حماس بالبرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، ذات البرنامج الذي تعارضه شفهيا ودعائيا أمام منتسبيها وانصارها، ولنا في تصريحات وخطب عضو مكتبها السياسي محمود الزهار المنبرية وغيره من مشايخ وامراء حماس الآخرين المتمركزين في صفها الأول واصحاب القرار الدليل... اما رفض توقيع حركة الجهاد الاسلامي على اعلان موسكو لتضمنه موضوع الدولة على حدود الرابع من حزيران من العام 1967 فهذا سيضعهما في موقفين متضادين، حيث سيشتد التنافس بينهما على اكتساب اعداد اكبر من الجمهور، هذا ان لم يصل الخلاف بينهما الى مرحلة كسر العظم!!... علاوة على الخلاف القائم حول موقف حركة الجهاد من الاقرار بالمنظمة كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، ولعل قراءة متأنية للقادم من الأيام ستكشف لنا سماكة قشرة التوافق بين حماس والجهاد!! 
عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وممثلها في اجتماع موسكو قال اول امس وبعد انتهاء الاجتماعات ونشر البيان الصحفي عن اعلان موسكو: "اعتذر لم ننجح في التوصل لاتفاق" واضاف في موقف آخر: "لا نقبل أن ينجح نتنياهو في فصل غزة عن الضفة"..أما عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ماهر الطاهر فكشف عن: "خلافات عميقة وتباينات كبيرة، بين الفصائل خلال لقاء موسكو وجرى الاتفاق على مواصلة الحوار في القاهرة"، وقال أيضا "نحن في الجبهة حاولنا التركيز على الرؤية السياسية ودعونا لإصدار بيان سياسي عن كل الفصائل".
هي حزمة قش لأن الذين اختاروا ان يكونوا مجرد ادوات بأياد قوى اقليمية، وبذات الوقت يسعون لتقديم اوراق اعتماد لدى الادارة الأميركية، ويسعون ربط مصالحهم المشتركة مع تل ابيب وأهمها حملات التشكيك المنظمة بالشرعية الفلسطينية، وتحديدا شرعية الرئيس ابو مازن، انصدموا من موقف حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح الصريح والبليغ الذي قاله عضو مركزية فتح عزام الأحمد ونصه:" إن فلسطين لن تكون اداة لمحاربة ايران ".. فاصحاب العقول القاصرة ظنوا أننا في ظل اختلافنا مع السياسة الايرانية قد نذهب الى جبهة ترامب، ما يعني أن القيادة تقيس علاقات فلسطين مع الدول بمعيار المصالح العليا للشعب الفلسطيني وليس بمعيار مصالح حزبية فئوية، فهذه النوع من العلاقات لا يفضي الا لرهن القرار الوطني الفلسطيني المستقل لدى قوى اقليمية تعتبر القضية الفلسطينية ورقة ضغط لا اكثر.
هي حزمة قش بالنسبة لحماس لأن وزير الخارجية الروسي قال:" اتفاق القاهرة هو فرصة فعلية للتوصل إلى الوفاق الوطني الفلسطيني " وهذا الاتفاق تحديدا هو ما يريد مشايخ حماس أن يصبح مجرد ذكرى من الماضي لأنه بكل بساطة لا يتيح لحماس فرصة تجسيد مشروع القيادة الدولية للاخوان المسلمين، فهم يريدون تقديم برهان واحد ناجح وتحديدا فيما خص العلاقة مع دولة الاحتلال اسرائيل لنيل الثقة، بما يمكنهم من التوغل اكثر فأكثر في الجسد الفلسطيني حتى يصلوا الى قلب القضية فيشطرونه ثم يقطعون كل شطر الى شطرين اثنين.

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024