"ذهب السابقين" لزهيرة زقطان .. بحثاً عن دحض روايات الصهاينة حول فلسطين
نشر بتاريخ: 2018-10-04 الساعة: 07:20رام الله- الايام- طلقت الكاتبة والباحثة والفنانة زهيرة زقطان، من قاعة الجليل بمتحف محمود درويش، كتابها الجديد بالعربية والإنكليزية "ذهب السابقين" الصادر عن دار أزمنة للنشر في العاصمة الأردنية عمّان.
وتوزع الكتاب على عشرة فصول تحت عناوين "البدايات"، و"البئر الأولى – الفترة الكنعانية"، و"لم تكن الأرض فارغة أبداً، كنّا دائماً هنا"، و"الكنعانيون"، و"الإله (بعل)"، و"اليبوسيون"، و"ظهور (داود) على مسرح السياسة الإسرائيلية"، و"(ملكي صادق) ملك القدس"، و"سليمان والقدس"، و"الزخرفة في حياة الكنعاني".
وفي مطلع الكتاب نقلت زقطان من العهد القديم أنه "في حوالي 1150 قبل الميلاد، رجل يهودي مسافر تصحبه زوجته وغلامه، أدركهم الليل قرب يبوس. سيبدأ هو وغلامه في البحث عن مكان للمبيت، وسيقترح غلامه عليه الدخول إلى يبوس للنوم فيها .. سيقول الغلام لسيده: تعال نميل إلى مدينة اليبوسيين هذه ونبيت فيها، فقال له سيده: لا نميل إلى مدينة غريبة، لا أحد فيها من بني إسرائيل"، لتشير الى أنه في تلك الليلة كان عمر "يبوس" أو أورسالم أو أورشاليم أو مدينة السلام أو القدس ما يقرب من ثلاثة آلاف سنة.
ودمجت زقطان في الكتاب ما بين البحث التاريخي وما بين السيرة الذاتية كلاجئة من زكريا في مخيم بالأغوار الأردنية (الشونة)، وهي سيرة مغمسة بلغة سردية رائقة وراقية .. "وصلنا متأخرين عن معركة المخيم مع قسوة الأرض في الخمسينيات. وجدناهم هناك قبلنا قادمين من الرملة واللد وقرى القدس ويافا وبيت دجن وعجّور وبيت محسير وعائلات من زكريا، غسلوا التربة من الملح قبل أن نصل، ومدوا خصل الخس وشتلات البندورة والباذنجان والسبانخ حتى حافة النهر (...) في المدرسة .. قرأنا الفاتحة والسلام الملكي و"موطني" وأنشدنا: وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر، ونفخنا في بوق الأحلام بحناجرنا الصغيرة قبل العبور إلى الغرف الصفية: عائدون، إننا لعائدون".
وأكدت زقطان في فصل لاحق "... سأجد في الوثائق الكنعانية والمكتشفات الأثرية إجابات تقلب الكثير من المغالطات التي تدججت بها الحركة الصهيونية في انتزاع سياسي لأرض فلسطين وشعبها وتاريخها، في رحلة طويلة ستستمر من بداية أوائل الثمانينيات وحتى الآن، في عملية بحث وتوثيق لأرض وشعب محتل .. جهدي فيها قائم على حقائق علماء التاريخ والآثار لمنطقة ضمت بلاد الشام، حيث حطت قبائل كنعان أثقالها، فأقامت واستمرت".
وقالت زقطان في حفل إطلاق الكتاب، الذي حاورها حوله سامح خضر مدير متحف محمود درويش: هذا الكتاب جزء من مشروع بدأ منذ 38 عاماً، بمبادرة من اتحاد الكتاب والصحافيين في بيروت، عندما قرر اعتماد الأول من تموز العام 1980، يوماً لإحياء التراث الشعبي الفلسطيني، في كل من عمّان وبيروت بالوقت ذاته .. عند السادسة من مساء ذلك اليوم انطلق الحفل الذي اشتمل على معرض بمشاركة سبع وأربعين دولة.
وأضافت: المبادرة خلقت نقاشاً كبيراً، كون أن هناك من وجد ضرورة عدم الاكتفاء باستمرار المعرض لما يزيد على أسبوع، كانت هي المدة المقررة له .. شارك في الفعالية عدد كبير من الكتاب منهم المرحوم نمر سرحان وابراهيم قبعة، وغيرهم من معنيين بالحفريات وجمع التراث.. كنت من ضمن اللجنة التي تأسست في عمّان، وكنت، وقتها، أعد رسالة ماجستير في التاريخ لم أقدمها، لأدخل بعد ذلك في شخصي بالفترة الكنعانية التي بدأت منذ ستة آلاف سنة قبل الميلاد، وهو تاريخ بداية الهجرات العربية القادمة من جنوب اليمن وساحل عُمان والجزيرة العربية الى بلاد الشام، ومعها بدأت حضارة الكنعانيين.
وكان هدف زقطان، وفق ما قالت "إثبات عدم وجود أي تجمع سكاني في هذه المنطقة قبل هذا التاريخ، وأن الكنعانيين هم أول من سكن هذه المنطقة، حيث كانت قبيلة كنعان أكبر قبيلة سكنت هذه المنطقة التي امتدت من اللاذقية الى غزة الى اريحا ودير دبوان، قبل الشروع فيما بعد ببناء القدس.
وأشارت زقطان في حديثها إلى أن "الزخرفة كانت جزءاً من الفنون التي استخدمها الكنعانيون، وعمدوا إلى حفظها، واستمدت قيمتها لديهم لكونها تعبيراً عن رموز دينية تقربهم من أحد الآلهة التي كانوا يعبدون، وهنا الحديث يأتي عن النجمة المثمنة التي كانت الزخرفة الأولى في تاريخ أرض فلسطين، واستقرت في معبد كنعان، قبل أن تمر بمراحل عدة، ففي فترة لاحقة شكلت هذه النجمة الرتبة الدينية للكاهن، والتي تدل على قيمته الدينية، ثم استخدمها الكنعانيون في الهندسة والعمارة والنص الشعري أيضاً".
في الكتاب نماذج على هذه النجمة، والتي أخذت عنها زخارف المربعات والمثلثات لاحقاً .. وأضافت: تسرق هذه النجمة فيما بعد، وتحديداً في فترة حكم داود، وهي حتى الآن موجودة على الجدران وعلى الآثار في مكتشفات أوغاريت وتل العمارنة والاشوريين واليونان مثمنة كما بدأت.. في القدس تم حصار تسليط الضوء عليها العام 1967، عندما أوقفت سلطات الاحتلال الإسرائيلي الحفر الذي كانت تشرف عليه السلطات الأردنية.
وكانت التوراة هي الكتاب الذي تستمد منه التشريعات الدينية، حسب زقطان، "والذي بين علماء الآثار اختلافاً كبيراً بينه وبين التوراة الحديثة، ففي الأخير عبارات منسوخة بل وطقوس أيضاً، ما جعلني آخذ على عاتقي البحث بشكل شخصي في هذا المجال، دون دعم من مؤسسات حكومية أو أهلية .. اعتمدت على نتائج الحفريات في دائرة الآثار السورية ثم انتقلت الى بغداد في مقارنة بين الكنعانيين والاشوريين والسومريين، الذين تميزوا بحالة من التبادل الثقافي، وأثر وتأثر بعضهم ببعض.
ولفتت زقطان إلى أن بعض المصطلحات الدارجة لدى الإسرائيليين اليوم، ذات أصل كنعاني مثل "الشيكل، الذي كان عملة الكنعانيين، ومصطلح صهيون وكان يطلق على ثلاثة مرتفعات، هي: مرتفع القدس وجبل الشيخ وجبل في اللاذقية، على اعتبار أنها أعلى القمم، وكانت مراكز للتعبد .. كثير من المفردات التي يدعي الاسرائيليون انها ملك لهم هي في الأصل كنعانية"، في الحفل الذي رافقته فقرات فنية للفنانة دروين منيّر غناء وعزفاً على العود، وحسين أبو الرب عزفاً على الدف.
وأختم بما كتبته زقطان في "ذهب السابقين" عن ملك القدس (ملكي صادق)، في الفصل الثامن تحديداً، فهو "كاهنها الأعلى، الكنعاني الجالس على مقعد الحكمة والقداسة في معبد المدينة. أهم وأشهر ملوك الكنعانيين، والذي ارتبط عصره الديني في التاريخ كأهم ملك كنعاني ديني مشرع، وستذكره (التوراة) في أسفارها أكثر من مرة ... فهو الذي سيتوصل إلى فكرة التوحيد، والإله الواحد المطلق (إيل)، كوالد لكل الآلهة وخالق البشرية، وكل ما على الأرض".
amm