القمة الثلاثية ، ومصير إدلب
نشر بتاريخ: 2018-09-13 الساعة: 09:38عبير بشير كشفت القمة الثلاثية في طهران بين الرئيس حسن روحاني، والقيصر بوتين، والسلطان أردوغان، عن هشاشة محور آستانة، وتحوله إلى تحالف الأمر الواقع أو تجمع المضطرين.
وأبرزت القمة الثلاثية، أن الخلافات بين أقطاب محور آستانة تتسع وتزداد تعقيداً كلما اقتربت الأوضاع في سورية من دخول منعطف حاسم، ووصل النقاش إلى ملامح التسوية النهائية في سورية، وهو أمر عكسه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عندما قال، إن الأهداف النهائية للدول الثلاث ليست متطابقة تماماً في سورية.
ولم تأتِ نتائج قمة طهران على هوا أنقرة، ليس فقط لأنها فشلت في الحصول على ضمانات من موسكو بعدم شن هجوم كاسح على إدلب، وعدم استهداف المعارضة المعتدلة، في حين كانت أنقرة تعول على نجاح القمة في وضع سيناريو لعملية محدودة في إدلب، لإجبار الجماعات المتشددة على حل نفسها، وتم تسريب معلومات عشية القمة، عما وصف بأنه تفاهمات تم التوصل إليها على المستويين السياسي والعسكري، لدول محور أستانة لإقرارها على طاولة الرؤساء، تتمحور حول إطلاق عملية محدودة، بدلا من حرب شاملة في إدلب، تسفر عن إقامة ما يشبه حزام أمني، يمتد من جسر الشغور شمالا، إلى بلدة اللطامنة جنوب محافظة إدلب، من دون دخول النظام إلى المدينة، على أن يتم تكليف أنقرة بمواصلة العمل لفصل جبهة تحرير الشام عن بقية الفصائل، عبر العودة إلى نظرية فرز المتطرفين والمعتدلين.
إلا أن روسيا بدت حاسمة خلال القمة، وأعربت عن عزمها السير في معركة إدلب حتى النهاية، دون أن تقفز عن ضمان حضور الأتراك على الشريط الحدودي، وداخل نقاط المراقبة المقامة في إدلب وفقا لخطة مناطق خفض التصعيد، والأهم تطمينهم لجهة الحضور الكردي شرق الفرات.
ويرى المراقبون، بأن انقضاض موسكو على الدور التركي في سورية، يتطلب استكمال الدور التركي سياسيا، بحيث تتكفل أنقرة بأمرين، أن تبقى عامل ضغط على الأكراد من أجل إلغاء فكرة الفيدرالية تماما وتساهم في منح شرعية لإعادة تدوير الأسد، من خلال إقناع الفصائل المعارضة التابعة لها، في الانخراط في تسوية تمنحهم حصة متواضعة من المشاركة في السلطة.
وتتحسب تركيا من أن يفتح أي تقدم حقيقي لقوات النظام السوري في إدلب، شهية النظام والميليشيات الإيرانية لتوسيع نطاق المعركة، والاتجاه بها نحو كسر عظم للمعارضة السورية الموالية لها. والعنصر الآخر المهم لأنقرة هو أن التقدم في إدلب يمكن أن يضع على طاولة النقاش لاحقاً مصير المناطق التي تسيطر عليها تركيا، شمال مدينة حلب، ما يعني أنه يفقد الرئيس رجب طيب أردوغان الورقة الأساسية التي تعزز موقفه في أي مفاوضات لاحقة حول شكل التسوية النهائية، وخصوصاً أن معركة إدلب فتحت شهية كل المنخرطين في الأزمة السورية، وأصبح الجميع متأهباً لرسم الحدود النهائية لنفوذهم، وتظهير مصالحهم بكل وضوح، وحاضراً بقوة لبحث مستقبل إدلب، الذي يعتبرونه مقدمة أخيرة، للبحث في مستقبل سورية، حتى أميركا أصبحت حاضرة بقوة في خلفية مسرح العمليات بموقفها السياسي وبتحركاتها العسكرية.
كما تخشى تركيا أن يتسبب هجوم كبير على إدلب بتدفق للاجئين عبر حدودها، وحذرت من أن حلا عسكريا من شأنه فقط أن يسبب كارثة إنسانية.
وعرضت أنقرة خلال القمة الثلاثية، خطة لخروج آمن لفصائل مسلحة من محافظة إدلب السورية في مسعى لتفادي حمام دم قد ينجم عن هجوم كبير لقوات النظام السوري.
وتقضي الخطة بأن تقوم الفصائل التي توصف بالتشدد ومنها هيئة تحرير الشام، بتسليم أسلحتها إلى الفصائل الموالية لتركيا، على أن يتم تأمين خروج آمن للفصائل إلى جيب صغير في إدلب، تحت إشراف المعارضة المعتدلة، والسماح للمقاتلين الأجانب بالعودة إلى بلدانهم، لكن الفصائل التي ترفض إلقاء السلاح والإجلاء سيتم استهدافها في عمليات مكافحة الإرهاب. وتتضمن الخطة أيضا أمن قاعدة حميميم العسكرية الروسية في محافظة اللاذقية، وتأمين شبكات الطرق والمعابر في المنطقة، وكذلك تقاسم للثروات المعدنية، ومعايير الإدارة الذاتية لمدينة إدلب من قبل التنظيمات التي دربتها أنقرة، والسماح لمؤسسات نظام الأسد المدنية بالعودة إلى محافظة إدلب تحت حماية قوات روسية وتركية.
وغرد الرئيس التركي أردوغان، بأن قدرة تركيا على استقبال اللاجئين بلغت أقصى مداها، في مؤشر على إحجام بلاده عن استقبال المزيد من اللاجئين في حال حدوث تدفق من إدلب.
وأكد أردوغان في كلمة له خلال قمة طهران على أهمية إدلب ليس فقط بالنسبة لمستقبل سورية السياسي بل أيضا بالنسبة للأمن القومي التركي وأمن المنطقة بأكملها. وأشار أردوغان، بأن إدلب هي المنطقة الأخيرة المتبقية من مناطق خفض التصعيد، والمعارضة باتت تشعر بتعرضها للخداع عقب التطورات التي حدثت بعد تأسيس تلك المناطق، وفي حين أن أنقرة التي أخلصت في هذا المسار ترى أن الأمور تنزلق نحو نقطة خطيرة للغاية، مطالبا بإعلان هدنة في إدلب لإراحة المدنيين.
غير أن الرئيس الروسي عارض أي وقف لإطلاق النار في محافظة إدلب، لأن متشددي جبهة النصرة وتنظيم داعش المتمركزين هناك ليسوا طرفا في محادثات السلام. وشدد روحاني وبوتين على ضرورة استعادة النظام للسيطرة على المحافظة.
وغداة فشل قمة طهران، في التوصل إلى حل يجنب إدلب كارثة إنسانية، والتوصل إلى خريطة طريق للشمال السوري.
شن الطيران الروسي، والنظام السوري، غارات جوية على شمال وجنوب محافظة إدلب هي الأعنف التي تشهدها المحافظة منذ بدء تهديد دمشق وموسكو بشن هجوم وشيك على المحافظة. وبدا جلياً أن الكرملين بات يستعجل معركة إدلب، لمواجهة استدارة أميركية مرتقبة من الملف السوري، مع توارد الإشارات القادمة من واشنطن، بأنه لا انسحاب أميركيا من سورية قبل تحجيم الدور الإيراني فيها، والقضاء على تنظيم داعش.
وبدأ بوتين في الاستعداد فيما يأمل أنه سيكون النهاية الكبرى: لآخر معاقل القوات المناهضة للأسد. وسعياً وراء ذلك، جمع الرئيس الروسي أكبر حشود جوية وبحرية قتالية تنشرها روسيا من أجل عملية واحدة منذ فترة طويلة.
وأعلنت موسكو، أنها تمتلك معلومات موثوقة، بأن فصائل المعارضة تخطط للقيام باستفزاز وشيك في محافظة إدلب لتبرير تدخل أميركي غربي، عبر التخطيط لاستعمال السلاح الكيماوي، ضد المدنيين.
وواضح أيضاً أن النظام السوري يستعجل المعركة أكثر من روسيا، ويسعى لحملة واسعة النطاق، بهدف منع المعارضين المعتدلين، من الحصول على أي فرصة لفرض شروط معينة أو انتزاع امتيازات، يمكن أن يأخذوها بالمفاوضات.
ومن أجل الإبقاء على وهم أن طهران لا تزال عنصراً فاعلاً في سورية بعث خامنئي بوزير الدفاع الجنرال أمير حاتمي، إلى دمشق لتوقيع ما جرى تصويره باعتباره معاهدة دفاعية. غير أنه على أرض الواقع لم تكن هناك معاهدة أمنية، فالاتفاق الجديد عبارة عن ملحق يحوي تصوراً للدور الإيراني في إعادة تنظيم والإبقاء على جيش الأسد عندما تنتهي الحرب.
على أي حال، لم يكن سيناريو الترحيل المتكرر للمقاتلين الرافضين للتسوية، من مختلف مناطق سورية إلى إدلب، يخفي ما ستؤول إليه الأحداث لاحقاً، وهي عملية تجميع مدروسة، ومتفق عليها، في انتظار المحرقة. وفي نفس الوقت، فقد هيأت جبهة تحرير الشام المتطرفة، كل المناخات لتجعل أصوات طبول المعركة في إدلب عالية ومطلباً عادلاً يحظى بمظلة دولية. وسط تقديرات بأن يكون الجيش السوري الحر هو المتضرر الأكبر من العملية التي تتضارب المعلومات حول موعد انطلاقتها، والتي لن تؤثر على جبهة النصرة الموجود ثقله في شمال المحافظة.
وفي حال إقفال ملف إدلب، سينتهي عملياً مسار آستانة الذي انطلق أساساً بزعم التهدئة وخفض التصعيد، فالفصائل التي مضت في هذا المسار لم يعد لها وجود ميداني بعد الانقضاض على مناطق خفض التصعيد، وحتى في حال التوصل إلى صفقة، تتعهد أنقرة بموجبها بإجلاء النصرة أو حلها، مقابل عودة المؤسسات المدنية للأسد، ووجود قوات حفظ أمن روسية- تركية مشتركة، فإن هذه الصفقة ستكون مؤقتة ومعرضة للانقلاب عليها لاحقاً مثلما كان الوضع في جميع صفقات تسليم المناطق الأخرى.
نحن نتجه، مع إنهاء الصراع المسلح، إلى تلبية المخاوف الأكثر ضراوة، سواء كانت حقيقية أو مزعومة. ففوضى السلاح التي جرى الترويج لها، للترهيب من سقوط الأسد لم يعد لها وجود، وخطر الإسلام الراديكالي الذي كان يبرز على كل منعطف، لم يتبق منه سوى جيوب صغيرة محاصرة، والقضية الكردية في الإقليم في أضعف حالاتها، ما يعني أن هناك فرصة تاريخية، ليس بالمعني التقليدي، لحدوث تحولات هيكلية في المشهد السوري، وفقط عبر الراعي الرسمي- القيصر بوتين-.