الرئيسة/  مقالات وتحليلات

التابوهات

نشر بتاريخ: 2017-09-17 الساعة: 12:21

رامي مهداوي رغم حُبي للكتابة، إلاّ أنني أجد ذاتي عاجزاً بالوقوف أمامها ومواجهتها والذوبان بها. كعاشق أصابه الشلل في اللحظة الحاسمة للنهوض أمام الجميع ومراقصة حبيبته. هذا العجز الذي أصاب عقلي بحالة من الخوف والرعب من أي محاولة في التعمق كَكاتب عامود اسبوعي بالقضايا المختلفة_ وما أكثرها_ التي تحيط بنا.

لا أعرف اذا ما كان الخوف هو من إنتصر وتفوق على "أنا الكاتب"، وفي أعماق ذاتي أسمع صوت يهمس قائلاً: لم ينتصر!! أنت من إبتعد عن مواجهة الواقع في ظل الإنهيارات المختلفة التي تؤثر على نزاهة معركة المواجهة والمساءلة والحفاظ على صاحبة الجلالة كونها السلطة الرابعة.

حالة الشلل التي أصابت الجهاز العصبي في جسم كتاباتي؛ جعلتني أهرب أو/و أتهرب من التفكير بالمشهد العام، حتى أيقنت بأنني لست موجود _بناءً على الشك الديكارتي_ مادمت لا أفكر ولا أكترث بما هو حولي، لكن ما هو حولي أيضاً لا يكترث بما هو حوله!! وكأننا أصبحنا مجتمع افتراضي هُلامي يهرب من الحقيقة بالإختفاء أو الإنسجام والتأقلم مع ما نرفضه كحالة من الخلاص.

تابوهات مختلفة من حولي تتكاثر، بعد أن كانت الحقول المختلفة تزدهر بعملية النقد البنّاء، إلا أن هذه الحقول أصبح ينمو بها الألغام لتشكل تابوهات يمنع المساس بها تحت ذرائع مختلفة: مواجهة الإحتلال أولاً!! إنهاء الإنقسام أولاً!! المرحلة صعبة!! الحذر من الطابور الخامس!! الأجندات الخارجية!! ازدراء الأديان!! "بلاش تنحسب على أبو فلان"!! "الموضوع أكبر منّا... إختصر"!!

وأخطر ما في الموضوع؛ أن التابوهات تنشطر الى تابوهات متنوعة وبأحجام مختلفة، يمنع المساس أو الحديث أو التعامل معهم، وإن وقع المحظور وتم المساس بأي تابو تعاقب بمقدار الجرم الذي صنعته.. بمقدار حجم ونوع التابو.. تعاقب بشكل مباشر أو غير مباشر..

وعند تمعن النظر نجد أن هذه التابوهات منسجمة مع بعضها البعض، بل وأكثر من منسجمة فهي تحافظ على مصالح بعضها البعض، هناك شبكة غير مرئية بين التابوهات لتغذية وتقوية بعضهما. فنجد التابو الديني والتابو الإقتصادي والتابو السياسي والتابو الإجتماعي والتابو الثقافي وما يولد منهم من تابوهات فرعية يسند بعضهما البعض؛ من أجل عدم انهيار منظومة التابوهات في المجتمع ويؤدي انهيار تابو الى إنهيار الجميع.

كلما حاولت الكتابة في قضية أصاب في شلل وعجز، لينجح الرقيب الذاتي بمنع "أنا الكاتب" من الكتابة بعمق ونقد بنّاء في التابوهات. ويربكُني كل يوم ما أشاهده/أقرأه/ أسمعه من قصص ضحايا التابوهات التي يتم تداولها كخبر عاجل وعابر فقط لا غير، لأنه أكثر من ذلك يعتبر المساس بالتابو!!

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024